الجمهورية الثانية ، والديكتاتورية الرابعة

تغيير ،حرية ،، كرامة إنسانية .. عيش ، حرية ،، عدالة اجتماعية

تلك هي الشعارات الرئيسية التي رفعها الشعب المصري ، استكمالا للشعار الرئيسي باسقاط النظام في مصر.

سقط رأس النظام ، بعد 18 يوم . ويقي تنفيذ المطالب الرئيسية ، التي لم يكن ايا منها “سواء الرئيسية أو الثانوية” إقامة خلافة اسلامية أو تطبيق الشريعة ، لا طبقا لمفهوم المعتدلين أو المتشددين!.

لم  ترفع الثورة أي شعار ديني ، ولم تنادي الثورة بأي حكم عسكري، بل كانت ثورة مدنية سلمية  أبدعت و ألهمت الكثير من الشعوب ليس العربية فقط ، بل وشعوب وحركات ديمقراطية في العالم الخارجي ليقتضوا بها وينهلوا من تفردها بهذه الروح وهذه الإرادة التي اطاحت بأحد اشد الديكتاتوريات فظاظة في العالم.

لا يمكن أن نصنف فترة الحكم العسكري عقب الثورة باقل من التخبط والتواطؤ على الثورة.

وبإرادة شعبية وإصرار واضح ، رحل العسكر ودشنت مصر الجمهورية الثانية ، بأول رئيس مدني منتخب في تاريخها منذ الاستقلال عن الاحتلال البريطاني.

الارتباك والتناحر السياسي أمر طبيعي عقب كل ثورة كبرى ، وأن يطلب كل فريق تنفيذ أهدافه و مطالبه فهذا هو المنطقي .

لكن أن ينفذ صبر الدكتور مرسي ، ويلجأ لأسوأ ما يمكن أن يلجا له رئيس منتخب ، مثل هذا الاعلان الدستوري الذي يجمع كل الصلاحيات والسلطات المطلقة في يده ، ويحصن قراراته حتى ضد القضاء ، وكذلك يضع الجمعية التأسيسية ومجلس الشوري فوق الطعن القضائئ ، فهذا يكرس حكما ديكتاتوريا  واضحا ، بغض النظر عن النوايا وشخص الرئيس ، لأن الورق كما يقول القانونيين أهم من الوعود ، والتشريع أقوى من النوايا.

هذا اعلان يحول مصر وقبل ان تنعم بجمهوريتها الثانية أو يتضح لشعبها الفارق بين الحاكم العسكري الذي جاء عبر انقلاب أو انتخابات مزورة ، الى الديكتاتورية الرابعة عقب يوليو 1952 ، “باستبعاد الفترة الهامشية للرئيس محمد نجيب ، الذي لم يحكم سوى لشهور قليلة”.

الغريب في الامر أن بعض أعضاء جماعة الاخوان المسلمين و قيادات بحزب الحرية والعدالة ، يعترفون بأن الاعلان يكرس الديكتاتورية ، لكنهم يطلبون منا ، من الشعب أن يتحمل هذه الديكتاتورية لمدة شهرين فقط !!!

لم أتسرع وأهاجم هذا المطلب على غرابته ، بل بحثت وفتشت عن اي نموذج لثورة أرجئت تحقيق مطالبها والقبول بالديكتاتورية لشهرين أو يومين أو ساعتين ، فلم أجد !.
فتشت وبحثت جيدا ، فوجدت شيئا مناقضا لذلك.

أن القبول باعلان كهذا ، حتى لو صدق الرئيس في حديثه ووعوده بالا يبالغ في استخدام هذا الاعلان ، لا يخل ولا يبعد شبح الديكتاتورية عن مصر .

لم يرحل اي ديكتاتور عن سدة الحكم بشكل سلمي ، ولم  ينصاع  شعب لأحكام الديكتاتورية  سوى عبر القمع ، حتى مع وجود مؤيدين ومحبطين وبعض من حسني النية.

–          كان الأولى بالرئيس ان يعلن قانون السلطة القضائية ويحيل ملف اصلاح القضاء إلى المجلس الأعلى للقضاء وتعيين نائب عام جديد ، لاسيما وقد بات على راسه أحد القضاة المشهود لهم بالمصداقية والاستقلالية.

–          كان الأولى بالرئيس أن ينفذ وعوده  باعادة تشكيل الجمعية التأسيسية  طبقا لما جاء على لسانه قبيل انتخابه رئيسا لمصر ، او على الاقل يبذل جهدا مضاعفا لراب الصدع الذي اصابها عقب انسحاب عدد كبير منها.

هذا الاعلان أسفر بوضوح عن ثلاثة كتل كانت الحدود بينها ملتبسة ومتداخلة ،الأولى: الفلول الواضحين ممن دعموا واستفادوا من نظام مبارك بشكل صريح وواضح ، لذلك يعادون الثورة. الثانية : دماء الشهداء والثوار الذين مازالوا مصرين على الكرامة الانسانية والعدالة الاجتماعية باصرار لا يعرف الكلل ، ومن الصعب هزيمتهم. الثالثة: من الاخوان ومؤيديهم كراغبين في السلطة والحكم والاقصاء لكل من يرفض رؤاهم.

مازال الأمل بعقلاء ورموز التيار الاسلامي ان يحثوا الرئيس على الغاء هذا الاعلان أو الأقل تعديله ، فالتعايش والحوار ليس مستحيلا ، بل المستحيل أن  تلتقي الكرامة الانسانية والعدالة الاجتماعية مع الديكتاتورية في نقطة واحدة ، بل يظل كل منهما في نقطة متوازية لا تلتقيان.

جمال عيد

ترجمة لمقال بجريدة الدايلي نيوز في 26نوفمبر 2012.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *