حكم في دعوي إضراب عمال السكة الحديد سنة 1986

باسم الشعب

محكمة أمن الدولة العليا طوارئ القاهرة
المشكلة علنا برئاسة السيد المستشار/ محمد أمين الرافعى رئيس المحكمة وعضوية السيدين الأستاذين/ أحمد عبد الوهاب حليمة ومحمد منصور عبد الله المستشارين بمحكمة استئناف القاهرة.

وحضور الأستاذ/ علاء يحيى إسماعيل وكيل النيابة
وحضور السيد/ سعيد حكيم شحاتة أمين السر.

أصدرت الحكم الأتي
في قضية النيابة العامة رقم 4190 سنة 86 الازبكية (121 كلى شمال)

 

ضد

1- صلاح الدين مصطفى إسماعيل شرف وأخرين “37 متهما”

وحضر الأستاذ/ أحمد نبيل الهلالي منتدباً مع المتهمين 1، 11، 16.
وحضر الأستاذ عبد اللطيف بركات المحامى موكلاً مع المتهم الثاني.
وحضر الدكتور عصمت سيف الدولة المحامى منتدبا والأستاذ/ هشام على المحامى منتدبا مع المتهم الثالث.
وحضر الأستاذ/ مصطفى عويس المحامى منتدباً مع المتهمين 4، 28.
وحضر الأستاذ/ نظمى فرج المحامى موكلاً مع المتهم الخامس.
وحضر الدكتور/ عبد الحليم مندور المحامى منتدباً مع المتهم السادس.
وحضر الأستاذ/ أمير سالم المحامى منتدباً مع المتهم السادس والتاسع عشر.
وحضر الأستاذ/ نبيل نجم المحامى منتدباً مع المتهم السابع.
وحضر الأستاذ/ سيد عتيق المحامى منتدباً مع المتهم الثامن.
وحضر الأستاذ/ سامح عاشور المحامى منتدباً مع المتهمين التاسع والثاني عشر.
وحضر الأستاذ/ عبد الله الزغبى المحامى المنتدب مع المتهم العاشر.
وحضر الأستاذ/ يوسف عبد العال المحامى المنتدب مع المتهمين 11، 22.
وحضر الأستاذ/ محمد خالد الكيلانى المحامى منتدباً مع المتهم الرابع عشر.
وحضر الأستاذ/ سيد أبو زيد المحامى منتدباً مع المتهمين الخامس عشر والتاسع عشر.
وحضر الأستاذ/ أحمد الإمام المحامى منتدباً مع المتهم السادس عشر.
وحضرت الأستاذة/ أميرة بهي الدين المحامية منتدبة مع المتهمين 17، 18، 20.
وحضر الأستاذ/ عبد الله خليل منتدباً مع المتهمين 20، 22، 23.
وحضر الأستاذ/ عبد الفتاح بركه المحامى عن الأستاذ/ عبد المجيد عامر مع المتهمين 23، 24.
كما حضر الأستاذ/ محمد المستكاوى المحامى منتدباً مع المتهم 23.
وحضر الأستاذ/ محمد فهيم أمين موكلاً مع المتهم 25.
وحضرت الأستاذة/ لمياء صبرى المحامية عن الأستاذ عبد الحميد الزناتى المنتدب مع المتهم 26.
وحضرت الأستاذة/ أمال عبد الفتاح المحامية المنتدبة مع المتهم 29.
وحضر الأستاذ/ محمد عبد اللطيف المحامى المنتدب مع المتهم 31.
وحضر الأستاذ/ كامل فارس المحامى موكلاً مع المتهم 34.
وحضر الأستاذ/ فتحى الرشيدى موكلاً مع المتهم 35.
وحضر الأستاذ/ علم الدين زنط المحامى منتدباً مع المتهم 36.
وحضر الأستاذان/ أحمد عبد الحفيظ وربيع راشد المحاميان المنتدبان مع المتهم 37.
وحضر الأستاذ/ يوسف عبد العال المحامى عن الأستاذ/ أسامة خليل المنتدب مع المتهم 23.

المحكمة

حيث أن وقائع الدعوى تخلص في أن النيابة العامة أسندت إلى المتهمين بدائرة أقسام الساحل والأزبكية والسيدة زينب محافظة القاهرة.

أولاً: المتهمون جميعاً:
1- عطلوا عمداً سير قطارات السكك الحديدية على النحو المبين بالتحقيقات.
2- وهم موظفون عموميون أضروا عمداً بأموال ومصالح الهيئة القومية لسكك حديد مصر التي يعملون بها بأن عطلوا سير قطارات السكك الحديدية مما ترتب عليه خسائر مالية قيمتها 300 ألف جنيه والإضرار بمال ركاب تلك القطارات وأصحاب البضائع المنقولة فيها.

ثانياً: المتهمون من الأول للخامس عشر أيضا:

1- استعملوا القوة والعنف والتهديد مع موظفين عموميين لحملهم بغر وجه حق على الامتناع عن أداء عمل من أعمال وظيفتهم بأن منعوا عنة حسن عفيفي وسامي زكى السيد وآخرين مبينه أسماؤهم بالتحقيقات من قيادة قطارات السكك الحديدية المنوط بهم قيادتها وبلغوا بذلك مقصدهم بأن اشتركوا بطريق التحريض مع باقي المتهمين وآخرين في ارتكاب الجرائم المبينة بالبندين الأول والثالث وذلك بأن حرضوهم على الامتناع عمداً عن قيادة قطارات السكك الحديدية وتأدية واجبات وظيفتهم فوقعت الجرائم بناء على هذا التحريض.

ثالثاً: المتهمون من الخامس عشر إلى الأخير أيضا:

بصفتهم موظفين عموميين امتنعوا عمداً عن تأدية واجبات وظيفتهم بأن امتنعوا عن قيادة قطارات السكك الحديدية المنوط بهم قيادتها متفقين على ذلك ومستغلين تحقيق غرض مشترك هو الضغط على الحكومة للاستجابة لمطالبهم المالية وكان من شأن ذلك أن يحدث اضطرابا وأضراراً بمصالح عامة.

وقد استندت النيابة العامة في ذلك إلى أقوال كل من السادة (….) رئيس مجلس إدارة الهيئة القومية للسكك الحديدية و(……) وكيل وزارة النقل و(…….) نائب رئيس مجلس إدارة الهيئة القومية للسكك الحديدية لشئون الضواحي و(…….) مدير هيئة السكك الحديدية للشئون المالية و(…..) نائب رئيس هيئة السكك الحديدية للشئون المالية والإدارية و(…..) مدير إدارة البحث الجنائي لشرطة النقل والمواصلات و(……) مفتش مباحث السكة الحديد و(…..) رئيس مباحث محطة مصر و(…….) رئيس مباحث السكة الحديد و(……) مدير عام المنطقة المركزية للوحدات المتحركة و(……..) الضابط بمباحث شرطة النقل والمواصلات و(…….) السائق بهيئة السكك الحديدية و(……) مدير خط حلوان و(……) الملاحظ بمحطة السيد زينب و(…….) مشرف تشغيل وصيانة بالهيئة القومية للسكك الحديدية و(….) سائق قطارات بالهيئة المذكورة و(……) معاون توضيب بالهيئة و(……) رئيس حركة أبراج محطة مصر و(…….) ملاحظ بلوك محطة مصر و(……..) مدير إدارة ورش الفرز بالهيئة و(……) ملاحظ بلوك وردية شرق محطة القاهرة و(…….) عامل المناورة بوردية الشرق.

وحيث أن الدفاع طلب الاستماع إلى شهود نفى هم السادة (أحمد طه) عضو مجلس الشعب و(حسنى عفيفي حسن ) الوقاد بالهيئة و(الغريب عطية) و(محمد على) و(إبراهيم محمد حسين) و(زكريا عبد الله حسين)و (محمد متولي عزب) السائقين بالهيئة وقد استمعت المحكمة إليهم.

فشهد السيد (أحمد طه) عضو مجلس الشعب أنه في التاسعة من مساء يوم 7/7/1986 توجه إلى رابطة سائق القطارات بعد أن علم بإضراب السائقين عن العمل فوجد عدداً كبيراً منهم في حالة ضيق وغضب شديدين فحاول تهدئة الموقف وأقترح عقد لقاء مع السيد وزير النقل وبعض العمال وتنفيذاً لذلك الاقتراح توجه مع بعض العمال إلى مقر رئاسة الوزراء حيث تقابلوا مع السيد رئيس الوزراء ووزراء الزراعة والداخلية والنقل وقد وافقوا على اعتماد نصف مليون جنيه لإصلاح حال السائق فعاد هو ومن معه من العمال إلى الرابطة لإبلاغ باقي المجتمعين بما حدث وفى ذلك الوقت حضر بعض ممثلي الحزب الوطني فانسحب من الاجتماع وكانت الساعة حوالي الثالثة صباحاً.

وشهد حسنى عفيفي حسن الوقاد بالسكة الحديد أنه في يوم 7/7/1986 كان موجوداً بمقر الرابطة حتى وقت متأخر من الليل انتظاراً لمقدم السيد وزير النقل إلى أن تم القبض عليه وعلى زملائه.وأضاف أن ما ذكره في تحقيقات النيابة من أن (سيد أحمد السيد) و(عبد العظيم على عبد الرحمن) و(فاروق زكى) و(فكرى عزت) هددوه وأجبروه على ترك القطار كان تحت تهديد من مباحث السكة الحديد وخوفاً من المقدم (……) الذي كان موجوداً بغرفة وكيل النيابة أثناء التحقيق.

وشهد (الغريب عطيطو محمد على) السائق بالهيئة أنه في يوم 7/7/1986 كان يعمل بمحطة السيدة زينب وفى الساعة الثامنة مساءً طلب أخذ عربية فوارغ وتوصيلها إلى الورشة بطرة وعندما عاد إلى محطة السيدة زينب شاهد مشاجرة بين الجمهور ولم يشاهد أياً من (صلاح مصطفى) و(عدلى حسين) و(محمد حسين الأكيابى) و(محمد حسنين خليل) بمحطة السيدة زينب.

وشهد (إبراهيم محمد حسين) السائق بخط حلوان أنه في يوم 2/7/86 حضر الاجتماع الذي عقد بمقر الرابطة بالقاهرة كان للسائقين عدة طلبات ووعد الوزير بالحضور يوم 7/7/1986 للاجتماع بهم لمناقشة مطالبهم وفى ذلك اليوم انتظر هو وزملاءه بالرابطة من الساعة التاسعة صباحاً حتى الساعة الواحدة والنصف مساءً ولم يحضر الوزير فحدث تذمر من السائقين وحضر الأستاذ/ أحمد طه عوض مجلس الشعب واصطحب معه بعضاً منهم وتقابلوا مع السيد وزير النقل وبعض الوزراء بمقر رئاسة الوزراء ثم عادوا إلى مقر الرابطة.

وشهد (زكريا عبد الله حسن) السائق بالهيئة بأنه في يوم 7/7/1986 كان في بنى سويف مع زميله محمد أحمد حامد ولم يخبره الأخير بأنه ممتنع عن العمل وشهد محمد متولي عزب السائق بالهيئة أنه في يوم 14/12/85 أرسل السائقون برقيات للسيد رئيس مجلس الوزراء ولمجلس الشعب ولوزراء الداخلية والنقل يطالبون فيها بكادر خاص لهم وزيادة بدل طبيعة العمل وبدل المخاطر ولكن أحداً لم يستجب لهم وتحدد يوم 2/7/1986 لمقابلة الوزير ولكنه اعتذر وحدد يوم 7/7/1986 للاجتماع ولكنه لم يحضر أيضا وكان السائقون مجتمعون بمقر الرابطة في انتظار مقدم الوزير وقامت الشرطة بالقبض عليهم.

وحيث أن المتهمين أنكروا ما هو منسوب إليهم وسايرهم الدفاع فى هذا الإنكار ودفع ببطلان القبض لخلوا الأوراق مما يفيد صدور أوامر بالقبض على المتهمين.

ودفع ببطلان أمر الإحالة فيما تضمنه من الاتهام الوارد تحت بند أولاً تأسيساً على تجهيله بعد بيان الفعل المادى المنسوب إلى المتهمين كما دفع أيضا ببطلان تشكيل المحكمة لأن الدعوى الماثلة كان يجب نظرها أمام محكمة أمن الدولة العليا لا أمام محكمة أمن الدولة “طوارئ” ودفع كذلك بانتفاء الركن الشرعى تأسيساً على أن المادة 124 من قانون العقوبات قد نسخت نسخاً صريحاً بالقرار بقانون 2 لسنه 77 الذى تم إلغاؤه بالقانون رقم 194 لسنه 83 كما أن نفس المادة (124 من قانون العقوبات) قد نسخت ضمنياً بالاتفاقية الدولية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتى وقعت عليها جمهورية مصر العربية.

وحيث أنه بالنسبة للدفع ببطلان أمر الإحالة فيما تضمنه بالنسبة للتهمة الأولى فمردود بأن المادة 214/2 من قانون الإجراءات الجنائية قد أوجبت أن يتضمن قرار الاتهام فى مواد الجنايات الجريمة المسندة إلى المتهم بأركانها المكونة لها وكافة الظروف المشددة أو المخففة للعقوبة ومواد القانون المراد تطبيقها، فيجب أن يبين قرار الاتهام الركن المادة للجريمة والقصد الجنائى والنتيجة إذا كان يتطلب لقيام الجريمة توافر نتيجة معينة ورابطة السببية بين الفعل والنتيجة والضرر إذا كانت الجريمة تتطلبه ولا يترتب على إغفال قرار الاتهام لشئ منها البطلان، إلا إذا كان متعلقاً بإجراء جوهري طبقا لنص المادة 331 من قانون الإجراءات الجنائية.

ولما كان ذلك وكانت النيابة العامة قد اتهمت المتهمين جميعاًَ بأنهم عطلوا عمداً سير قطارات السكك الحديدية على النحو المبين بالتحقيقات فإنها تكون قد أحالت بيان الركن المادة لجريمة التعطيل إل أفعال التعطيل التي أسندتها للمتهمين في التحقيقات التي أجرتها معهم ويظهر منها أن هذه الأفعال قوامها الامتناع عمداً عن قيادة القطارات وتركها متوقفة في محطاتها وهذه الإحالة فى قرار الاتهام لا توهن منه، وخاصة أنه قد تضمن باقى أركان الجريمة كالقصد الجنائى ومادة العقاب المنطبقة على الفعل وهى المادة 167 من قانون العقوبات وهذه الأركان فى أمر الإحالة ومن ثم يكون الدفع ببطلان أمر الإحالة قد أقيم على غير أساس من الواقع أو القانون ويتعين لذلك رفضه.

وحيث أنه بالنسبة للدفع ببطلان تشكيل المحكمة فمردود عليه بأن أمر رئيس الجمهورية رقم 1 لسنه 81 بإحالة بعض الجرائم إلى محاكم أمن الدولة طوارئ قد نص فى البند ثانياً من المادة الأولى منه على أن “تحال إلى محاكم أمن الدولة طوارئ الجرائم المنصوص عليها فى المواد من 163 إلى 170 من قانون العقوبات بشأن تعطيل المواصلات كما نص فى المادة الثانية منه على أنه إذا كون الفعل الواحد جرائم متعددة أو وقعت عدة جرائم مرتبطة بعضها ببعض لغرض واحد كانت إحدى تلك الجرائم داخلة فى اختصاص محاكم أمن الدولة فعلى النيابة تقديم الدعوى برمتها إلى محاكم أمن الدولة طوارئ وتطبق هذه المحاكم المادة 32 من قانون العقوبات.

وحيث أن النيابة العامة قد أسندت إلى المتهمين أنهم عطلوا سير قطارات السكك الحديدية الأمر المنطبق على المادة 167 من قانون العقوبات ثم أحالت الدعوى برمتها إلى محكمة أمن الدولة طوارئ فإنها تكون قد أصابت صحيح القانون ويتعين لذلك رفض الدفع.

وحيث أنه بالنسبة للدفع بانتفاء الركن الشرعى تأسيساً على أن المادة 124 من قانون العقوبات قد ألغيت بالقرار بقانون 2 لسنه 1977 وأن هذا القرار قد ألغى بدوره بالقرار بقانون رقم 194 لسنه 1983 فمردود بأن إلغاء القانون قد يكون صريحاً وقد يكون ضمنياً ويشترط فى هذه الحالة وجود تعارض حقيقى بين القانونين اللاحق والسابق بحيث لا يمكن تطبيق حكم كل منهما فى نفس الوقت لأن التعارض الذى يستتبع إلغاء نص تشريعى بنص فى تشريع لاحق لا يكون إلا إذا ورد النصان على محل واحد ويكون من المحال إعمالهما معاً، أما إذا اختلف المحل فإنه يتعين العمل بكل قانون فى محله بصرف النظر عما بينهما من مغايرة طالما أن لكل منهما مجاله الخاص فى التطبيق ولما كانت المادة 7 من القرار بقانون رقم 2 لسنه 77 قد نصت على أنه: “يعاقب بالأشغال الشاقة المؤبدة العاملون الذين يضربون عن عملهم متفقين فى ذلك أو مبتغين تحقيق غرض مشترك إذا كان من شأن هذا الإضراب تهديد الاقتصاد القومي”.

ونصت المادة 9 من ذات القرار بقانون على أن يلغى كل من يخالف ذلك من أحكام.
وحيث أن مفهوم المادة السابعة سالفة الذكر يعنى أنه يشترط لأعمالها أن يكون هناك إضراب من العاملين أياً كانت صفتهم وأن يكون هذا الإضراب مما يهدد الاقتصاد القومي فى حين أن المادة 124 من قانون العقوبات تنص على أنه إذا ترك ثلاثة على الأقل من الموظفين أو المستخدمين العموميين عملهم ولو فى صورة الاستقالة أو امتنعوا عمداً عن تأدية واجب من واجبات وظيفتهم متفقين على ذلك أو مبتغين منه تحقيق غرض مشترك عوقب كل منهم …إلخ”.

أي يقتصر تطبيقها على الموظفين والمستخدمين العموميين وأنها تؤثم الإضراب بكافة صوره سواء هدد الاقتصاد القومي أو لم يهدد وعلى ذلك فإن النص على إلغاء كل ما يخالف المادة السابعة من القرار بقانون 2 لسنه 77 لا ينصرف بداهة إلى المادة 124 من قانون العقوبات وذلك لاختلاف مجال تطبيق كل منهما، فإذا نص القرار بقانون رقم 194 لسنه 83 على إلغاء القرار بقانون 2 لسنه 77 فإن هذا الإلغاء لا يمس بحال من الأحوال المادة 124 من قانون العقوبات التى لم يسبق إلغاءها كما سبق البيان.

وحيث بالنسبة للدفع بنسخ المادة 124 ضمنياً بالاتفاقية الدولية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية فإن مصر قد وقعت عليها ونصت المادة الثامنة منها على أنه “تتعهد الدول الأطراف فى الاتفاقية الحالية بأن تكفل أ…. ب…. جـ….
د- الحق فى الإضراب على أن يمارس طبقا لقوانين القطر المختص …إلخ.

وهذا النص قاطع الدلالة فى أن على الدولة المنضمة للاتفاقية الالتزام بأن تكفل الحق فى الإضراب بمعنى أنه صار معترفاً به كحق مشروع من حيث المبدأ ولا يجوز العصف به كلياً وتحريمه على الإطلاق وإلا فإن ذلك مصادرة كاملة للحق ذاته وما تملكه الدول المنضمة للاتفاقية لا يعدو أن يكون مجرد تنظيم ذلك الحق المقرر بحيث تنظيم التشريعات الداخلية طريقة ممارسة ذلك الحق وهناك فرق بين نشأة ووضع قيود على ممارسته، وعدم وضع تنظيم لذلك الحق لا يعنى على الإطلاق العصف به أو تأجيله لحين وضع تلك النظم وإلا لاستطاعت أية دولة التحلل من التزامها بعد وضع تنظيم لممارسة ذلك الحق.

ولا ينال من هذه النتيجة مبدأ التدرج الذى قررته المادة الأولى من الاتفاقية فى فقرتها الرابعة، فقد نصت تلك الفقرة على أن “تتعهد كل دولة طرف فى الاتفاقية الحالية أن تقوم منفردة ومن خلال المساعدة والتعاون الدوليين باتخاذ الخطوات، خاصة الاقتصادية والفنية، لأقصى ما تسمح به مواردها المتوافرة من أجل التوصل تدريجياً للتحقيق الكامل للحقوق المعترف بها فى الاتفاقية الحالية بكافة الطرق المناسبة بما فى ذلك على وجه الخصوص تبنى الإجراءات التشريعية” ذلك أن نص هذه الفقرة إنما يعالج المجالات التى تحتاج فيها الدولة المتعاقدة إلى موارد اقتصادية وافية وغير متوافرة لديها حتى تستطيع أن تحقق لمواطنيها الرعاية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المطلوبة وذلك تدرجا عن طريق تنمية مواردها الذاتية أو بالتعاون مع الدول الأخرى وتلقى المساعدات الخارجية ولا يمكن اعتبار الحق فى الإضراب من قبيل تلك الحقوق التى ينصرف إليها النص بحسب مفهومه الظاهر والذى لا يجوز الانحراف عنه حيث أنه لا يعتريه غموض يقتضى التفسير أو التأويل.

وحيث أن المادة 124 من قانون العقوبات قد جرى نصها على أنه “إذا ترك ثلاثة على الأقل من الموظفين أو المستخدمين العموميين عملهم ولو فى صورة الاستقالة أو امتنعوا عمداً عن تأدية واجب من واجبات وظيفتهم متفقين على ذلك أو مبتغين منه تحقيق غرض مشترك عوقب كل منهم بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تجاوز سنه وبغرامة لا تزيد على مائة جنيه …الخ.
ونصت الاتفاقية فى مادتها الثامنة بأن “تتعهد الدول الأطراف فى الاتفاقية الحالية بأن تكفل.

“…..د. الحق فى الإضراب على أن يمارس طبقا لقوانين القطر المختص”.
ولما كان الإضراب لغة وقانوناً هو الامتناع الجماعى المتفق عليه بين مجموعة من العاملين عن العمل لفترة مؤقتة لممارسة الضغط للاستجابة لمطالبهم فإن الواضح من هذين النصين وجود تعارض بين التشريع الداخلي والاتفاقية المذكورة مما يتعين بحث أيهما الأقدر بالتطبيق، لذلك ينبغى أولاً معرفة القوة التى تتمتع بها القاعدة الاتفاقية الدولية فى مواجهة القاعدة التشريعية العادية وهل تعتبر فى نفس مرتبة التشريع باعتبار أن كليهما صادر من السلطة صاحبة السيادة فى الدولة، أم إنه يجب اعتبار المعاهدة تحمل وزناً أكبر من التشريع الداخلى إذ أنها تتضمن فى الوقت ذاته التزام الدولة قبل الدول الأخرى الأطراف فى المعاهدة بإتباع القاعدة فى حين أن الدولة لا يقع عليها أى التزام دولى بالأخذ بالقاعدة الشتريعية إلا أن هذا الاعتبار لا يمكن الاستناد إليه فى المجال الداخلى لتفضيل القاعدة التى تقضى بها المعاهدة على القاعدة التشريعية ، فمسئولية الدولة فى المجال الدولى شئ وقيام القضاء الداخلى بتطبيق المعاهدة شئ أخر فالقاضى الوطنى لا يطبق المعاهدة تأسيسا على أن دولته قد التزمت دوليا بتطبيقها بل يطبقها باعتبارها جزءاً من قوانين الدولة الداخلية إذا ما تم استيفاؤها للشروط اللازمة لنفاذها داخل الإقليم.

وقد أكد الدستور المصرى هذا المعنى فنص فى الفقرة الأولى من المادة 151 على “رئيس الجمهورية يبرم المعاهدات ويبلغها مجلس الشعب مشفوعة بما يناسب البيان وتكون لقها قوة القانون بعد إبرامها والتصديق عليها ونشرها وفقا للأوضاع المقررة”.

ونص فى الفقرة الثانية من تلك المادة على أن “معاهدات الصلح والتحالف والتجارة والملاحة وجميع المعاهدات التى يترتب عليها تعديل فى أراضى الدولة، أو التى تتعلق بحقوق السيادة أو التى تحمل خزانة الدولة شيئا من النفقات غير الواردة فى الموازنة تجب موافقة مجلس الشعب عليها”.

وبالإطلاع على قرار رئيس الجمهورية رقم 537 لسنه 1981 بشأن الموافقة على الاتفاقية الدولية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمنشور فى العدد 14 من الجريدة الرسمية المؤرخ 8 من إبريل سنة 1982 يتبين أنه قد نص صراحة على أن الموافقة على الاتفاقية الدولية المذكورة وقد تم بعد الإطلاع على الفقرة الثانية من المادة 151 من الدستور مما يفيد أنها قد سردت بعد الحصول على موافقة مجلس الشعب بوصفها إحدى المعاهدات الدولية التى تتعلق بحقوق السيادة بما تضعه من قيود على سلطات الدولة تتمثل فى وجوب احترام الحقوق التى أقرتها واعترفت بها الاتفاقية الدولية الصادرة فى نطاق الأمم المتحدة وبالتطبيق لميثاقها.

وحيث أنه تطبيقا لنص المادة 151 من الدستور سالفة الذكر ولما استقر عليه الفقه والقضاء فإن المعاهدات الدولية التى صدرت وفقا للأصول الدستورية المقررة ونشرت فى الجريدة الرسمية حسب الأوضاع المقررة تعد قانونا من قوانين الدولة يتعين على القضاء الوطنى تطبيقها باعتبارها كذلك.

وحيث أنه متى كان ذلك فإن الاتفاقية المذكورة وقد نشرت فى الجريدة الرسمية فى الثامن من إبريل سنة 1982 بعد أن وافق عليها مجلس الشعب تعتبر قانوناً من قوانين الدولة ومادامت لاحقة لقانون العقوبات فإن يتعين اعتبار المادة 124 قد ألغيت ضمنياً بالمادة 8 فقرة (د) من الاتفاقية المشار إليها عملا بنص المادة الثانية من القانون المدنى التى تنص على أنه لا يجوز إلغاء نص نص تشريعى إلا بتشريع لاحق ينص صراحة على هذا الإلغاء أو يشتمل على نص يتعارض مع نص التشريع القديم أو ينظم من جديد الموضوع الذى سبق أن قرر قواعدة ذلك التشريع، ولا يقدح فى ذلك أن المادة 124 من قانون العقوبات قد عدلت – برفع الغرامة بالقانون رقم 92 لسنه 82 بعد نشر الاتفاقية فى الجريدة الرسمية لأنه إذا كان من المقرر فقهاً وقضاءاً أن الساقط لا يعود فإنه بالتالى ومن باب أولى لا يعدل لأن التعديل لا يمكن أن يرد على معدوم أو مادام الثابت أن المادة 124 قد ألغيت ضمناً بالاتفاقية السابق الإشارة إليها فإنه لا يجوز بأى حال من الأحوال إجراء أى تعديل فى تلك المادة لأنها ألغيت ولم يعد لها وجود، مما تكون معه تهمة الامتناع عن العمل قد بنيت على غير أساس من القانون والمحكمة فى هذا الصدد تهيب بالمشروع أن يسارع إلى وضع الضوابط اللازمة لهذا الحق على نحو يحقق مصلحة البلاد العليا ومصالح العمال فى نفس الوقت حتى لا تعم الفوضى وتتعطل المصالح العليا للمجتمع ولضمان عدم توقف سير المرافق الأساسية أو المساس بوسائل الإنتاج أو إيذاء غير المضربين.

وحيث أنه بالنسبة لتهمة تعطيل سير القطارات والإضرار العمدى بأموال ومصالح الهيئة القومية لسكك حديد مصر فإنه من المقرر فقهاً وقضاءاً بأنه متى قرر الشارع حقاً اقتضى ذلك حتما إباحة الوسيلة إلى استعماله أى إباحة الأفعال التى تستهدف الاستعمال المشروع للحق وكذلك النتائج المترتبة على هذا الاستعمال سواء للحصول على ما يتضمنه من مزايا أو لمباشرة ما يخوله من قواعد القانون إذ يصدم المنطق أن يقرر الشارع حقا ثم يعاقب على الأفعال التى يستعمل بها فيكون معنى ذلك التناقض بين قواعد القانون وتجريد الحق من كل قيمة.
وقد نصت على ذلك المادة 60 من قانون العقوبات فجرى نصها على أنه:”لا تسرى أحكام قانون العقوبات على كل فعل ارتكب بنية سليمة عملاً بحق مقرر بمقتضى الشريعة”.

وقد جاءت هذه المادة تأكيداً لما جاء بالمادة السابعة من قانون العقوبات – التى تقرر أنه “لا تخل أحكام هذا القانون فى أى حال من الأحوال بالحقوق الشخصية المقررة فى الشريعة الغراء”. ومكررة ذلك الاعتراف بتلك الحقوق ومضيفة إليه اعترافاً بالحقوق التى يقررها التشريع الوضعى بصفة عامة فقد رأى المشرع أن يوسع من نطاق المادة السابعة فجعلة شاملاً كل الحقوق التى يعد استعمالها سبباً للإباحة حتى يكون مقرراً للقاعدة العامة فى هذا الشأن وهو أمر يتفق مع المنطق وفلسفة القانون فإذا أباح المشرع فعلا من الأفعال فمن غير المقبول أن يحاسب بعد ذلك على ما قد يحدث نتيجة لهذا الفعل وحيث أنه متى كان ذلك وكان حق الإضراب مباحا بمقتضى الاتفاقية الدولية السابق الإشارة إليها وكان الثابت من الأوراق والتحقيقات أن أى من المتهمين لم يقم بإتلاف أو تخريب القطارات أو المعدات مما يقطع بحسن نيتهم فإن ما حدث نتيجة لذلك الإضراب لا يمكن أن يقع تحت طائلة قانون العقوبات عملاً بالمادة 60 سالفة الذكر.

وحيث أنه بالنسبة لتهمة استعمال القوة والعنف والتهديد والتحريض المنسوبة إلى المتهمين من الأول إلى الخامس عشر فإنه فضلا عن عدم اطمئنان المحكمة إلى أقوال شهود تلك الوقائع أمام النيابة العامة فإنها تطمئن إلى أقوال من شهد منكم أمام المحكمة وهما حسنى عفيفى حسن ومحمد أبو العلا على فقد شهد الأول أن أيا من المتهمين لم يقم بتهديده بقصد إجباره على ترك عمله على القطار المكلف بالعمل عليه وأن ما أدلى به فى تحقيق النيابة إنما كان تحت طائلة تأثير تهديد رجال المباحث له بتشريد أولاده خاصة وأن المقدم (………) كان موجوداً معه أثناء الإدلاء بأقواله وشهد الثانى بأن أحدا لم يقم بالضغط عليه أو تهديده لحمله على ترك عمله.

والمحكمة وقد استقر فى وجدانها أن ذلك الإضراب ما كان يحدث من تلك الفئة من العمال – وقد كانت مثالا للالتزام والتضحية – إلا عندما أحست بالتفرقة فى المعاملة والمعاناة عن كاهل فئات الشعب حتى لا يستفحل الداء ويعز الدواء.

وحيث أنه بالبناء على ما تقدم فإن التهم المسندة إلى المتهمين جميعا تكون قد تخاذلت فى أساسها القانونى والواقعى وتقوضت لذلك أركانها الأمر الذى يلازمنه البراءة عملا بالمادة 304 من قانون الإجراءات الجنائية.

فلهده الأسباب
وبعد الإطلاع على المواد سالفة الذكر .

حكمة المحكمة حضورياً ببراءة جميع المتهمين مما أسند إليهم
صدر هذا الحكم وتلى علنا بجلسة اليوم الخميس الموافق 16/4/1987.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *