الوكالة العامة و الوكالة الخاصة

(81)
جلسة 11 من ديسمبر سنة 2010
الطعن رقم 23375 لسنة 56 القضائية عليا
(الدائرة الأولى)

1 – السيد الأستاذ المستشار/ محمد عبد الغني محمد حسن رئيس مجلس الدولة
والسادة الأستاذة المستشارون نواب رئيس مجلس الدولة:
2 – مجدى حسين محمد العجاتي.
3 – حسين محمد عبد المجيد بركات.
4 – أحمد عبد التواب محمد موسى.
5 – أحمد عبد الحميد حسن عبود.
6 – عادل سيد عبد الرحيم بريك.
7 – شحاته على أحمد أبو زيد.
8 – منير عبد القدوس عبد الله.

( أ ) الوكالة – مفهومها – أنواعها – أحكامها – الوكالة العامة والوكالة الخاصة – ما يبرمه الوكيل في حدود وكالته ينصرف إلى الموكل – نيابة الوكيل عن الموكل تقف عند حد الغش – التجاوز في حدود الوكالة تنتفي به النيابة إلا إذا أقر الوكيل هذا التجاوز – يجوز للموكل إنهاء الوكالة في أي وقت ولو وجد اتفاق على غير ذلك (1) – يترتب على عزل الوكيل اعتباره أجنبيًا وفقدانه سلطة النيابة عن الموكل، وبإعلان الوكيل بعزله من الوكالة يتفادى الموكل الاحتجاج عليه بحسن النية الذي من شأنه الالتزام بتنفيذ ما أجراه الوكيل بعد عزله من تصرفات أو أعمال.

المواد المطبقة ( أ ):
المواد (105) و(699) و(715) من القانون المدني
(ب) حقوق دستورية – الوكالة في مجال الحقوق الدستورية والحريات العامة – هي وكالة خاصة بالنظر إلى طبيعة هذه الحقوق والحريات، إذ لا تتسع الوكالة العامة لها، ومن ثم فإن رقابة أحكام الوكالة في شأنها يجب أن تتسق وطبيعتها الدستورية – يتعين عدم التوسع في نطاقها أو تفسيرها، بل يتعين قصرها إلى الحدود التي لا تمثل عدوانًا أو افتئاتًا على حقوق الموكل الدستورية – إذا ساغ اللجوء إلى الوكالة لضمان الالتزام الحزبي، فإنه لا يسوغ اتخاذها أداة لحرمان المواطن من مباشرة حقوقه الدستورية إذا خرج على التزامه الحزبي وتقدم للترشح للمجلس النيابة كمرشح مستقل أو انضم إلى حزب آخر.

(ج) حقوق دستورية – حق المواطنة – يرتبط مفهوم المواطنة بمباشرة المواطنين لحقوق السيادة الوطنية، سوا كان ذلك بصفتهم ناخبين يتمتعون بحق الاختيار الذي يفاضلون من خلاله بين المرشحين، أو بوصفهم مرشحين يتنافسون فيما بينهم للوصول إلى المجالس النيابية – التعددية السياسية تعد من ركائز المجتمع الديمقراطي الذي يختلف مواطنوه فيما بينهم في التقاليد التي ورثوها، وأنماط ثقافتهم التي تلقوها، وتباين مذاهبهم السياسية التي يعتنقوها، إلا أن الديمقراطية تظل هي الطريق إلى صون كرامة الفرد وكفالة حقوقه الأساسية، والتنافس مع غيره من أجل الوصول إلى السلطة وممارستها وتداولها في إطار مبدأ الخضوع للقانون.

(د) حقوق دستورية – رقابة المشروعية في مجال الحقوق الدستورية – يُفترض إعمالُ هذه الرقابة بما يحقق الأغراض المقصودة منها، وألا يرد عليها من القيود إلا ما يتلاءم مع ضمان مباشرتها؛ حيث كفل الدستور لحقوق المواطنين التي وردت في صلبه الحماية التي تصونها من أي حيف أو جور.

الإجراءات

في يوم السبت الموافق 22/ 5/ 2010 أودع الأستاذ/ ….. المحامي المقبول المرافعة أمام المحكمة الإدارية العليا بصفته وكيلاً عن الطاعن قلم كتاب المحكمة تقريرًا بالطعن قيد بجدولها العام تحت رقم 2335 لسنة 56 ق.عليا، في الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري بالمنصورة (دائرة دمياط وبور سعيد) في الدعوى رقم 118511 لسنة 32ق. القاضي بقبول الدعوى شكلاً، وبرفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه، وألزمت الطاعن مصروفات هذا الشق من الدعوى.

والتمس الطاعن – لما ورد بتقرير طعنه من أسباب – الحكم بصفة عاجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه والقضاء مجددًا بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددًا بإلغاء القرار المطعون فيه، مع إلزام المطعون ضده بصفته المصروفات والأتعاب عن درجتي التقاضي.

وقد أعلن تقرير الطعن إلى المطعون ضدهم بصفاتهم على النحو المبين بالأوراق.

وتحددت لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون جلسة 24/ 5/ 2010 حيث تأجل نظره لجلسة 26/ 5/ 2010 لتقدم هيئة مفوضي الدولة تقريرًا بالرأي القانوني في الطعن بشقيه، حيث أودعت تقريرًا ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددًا بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه، وما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام المطعون ضدهم المصروفات عن درجتي التقاضي.

وبناء عليه قررت الدائرة إصدار الحكم في الطعن في نهاية الجلسة حيث قضت:

أولاً – وبإجماع الآراء بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، وبوقف تنفيذ القرار المطعون فيه بصفة عاجلة فيما تضمنه من عدم إدراج اسم الطاعن بكشوف المرحين عن الدائرة الثانية بدمياط (مستقل) وألزمت جهة الإدارة المصروفات، وأمرت بتنفيذ الحكم بمسودته وبدون إعلان وثانيًا – بإحالة الطعن ‘إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الأولى – موضوع) لنظره بجلستها المنعقدة يوم السبت الموافق 29/ 5/ 2010، حيث نظر بهذه الجلسة وتدوول أمامها على النحو الثابت بمحاضر الجلسات، وبجلسة 16/ 10/ 2010 قررت المحكمة إصدار الحكم في الطعن بجلسة 27/ 11/ 2010، وفيها قررت مد أجل النطق بالحكم لجلسة اليوم لإتمام المداولة، وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه لدى النطق به.

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات، والمداولة قانونًا.

ومن حيث إن شكل الطعن قد سبق وأن فصلت فيه دائرة فحص الطعون لدى نظرها للشق العاجل من الطعن.

ومن حيث إنه عن موضوع الطعن فإن الواقعات تخلص – حسبما يبين من الأوراق – في أن الطاعن أقام الدعوى محل الطعن الماثل بعريضة أودعت قلم كتاب محكمة القضاء الإداري بالمنصورة (دائرة دمياط وبور سعيد) بتاريخ 17/ 5/ 2010 التمس في ختامها الحكم بقبول دعواه شكلاً، وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ القرار الصادر بسحب ترشيحه، وإلغائه، وإدراج اسمه في كشوف المرشحين عن الدائرة الثانية دمياط – مستقل – مع ما يترتب على ذلك من آثار قانونية، وإلزام جهة الإدارة المصروفات.

وبسط الطاعن شرح دعواه بأنه قام بتاريخ 18/ 4/ 2010 بتوكيل….. بصفة أمين الحزب الوطني في دمياط لتمثيله قانونًا في الإجراءات الإدارية والقانونية للترشح لانتخابات التجديد النصفي لمجلس الشورى المقرر إجراؤها في عام 2010 بصفة (فئات) عن الدائرة الثانية بدمياط، بما في ذلك التنازل عن الترشيح في الدائرة المشار إليها، وبتاريخ 9/ 5/ 2010 قام الطاعن بإلغاء هذا التوكيل بموجب محضر التصديق رقم 670 ح لسنة 2010 المحرر بمكتب توثيق دمياط الجديدة التابع لمصلحة الشهر العقاري والتوثيق، والذي تم إعلانه إلى الوكيل على يد محضر في الساعة الواحدة بعد ظهر يوم 9/ 5/ 2010، وتقدم الطاعن في الساعة الثالثة من ذات اليوم بطلب ترشيح نفسه عن الدائرة الثانية بدمياط كمرشح مستقل، بيد أن الوكيل المعزول قام في ساعة لاحقة على تقدمه بطلبه المذكور بطلب استبعاده من كشوف المرشحين حيث قبلته اللجنة العليا للانتخابات.

ونعي الطاعن على القرار المطعون فيه مخالفته للقانون لتجاوز الوكيل حدود وكالته بتصرف خارج نطاقها بما لا تنصرف آثارها إلى ذمته؛ بحسبان أن الوكالة الصادرة عن الطاعن إلى أمين الحزب الوطني بدمياط تنصرف إلى ترشحه وسحب هذا الترشيح عن الحزب الوطني، ولا تتصرف إلى توكيله في سحب طلب ترشحه عن ذات الدائرة كمستقل.

وبجلسة 19/ 5/ 2010 أصدرت محكمة القضاء الإداري بالمنصورة (دائرة دمياط وبور سعيد) حكمها بقبول الدعوى شكلاً، وبرفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه، وألزمت المدعي(الطاعن) مصروفات هذا الشق من الدعوى.
وأقامت المحكمة قضاءها الطعين على أنه يشترط لوقف تنفيذ القرار المطعون فيه على وفق حكم المادة (49) من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972 توافر ركنين: أولهما ركن الجدية بأن تتحسس المحكمة من ظاهر الأوراق رجحان عدم مشروعية القرار المطعون فيه عند الفصل في طلب الإلغاء، وثانيهما ركن الاستعجال بأن يترتب على تنفيذ القرار المطعون فيه نتائج يتعذر تداركها فيما لو انتظر لحين الفصل في طلب الإلغاء.

ومن حيث إنه عن مدى توافر ركن الجدية فإن مفاد المواد 104 و105 و107 و699 و713 من القانون المدني أن الوكالة عقد يقوم بمقتضاه الوكيل بعمل قانوني لحساب الموكل، وأن ما يجريه الوكيل من تصرفات بناء على عقد الوكالة إنما ينصرف إلى الأصيل ما لم يكن هناك تواطؤ بين الوكيل والغير للإضرار بحقوق الموكل، وتخضع العلاقة بن الموكل والوكيل، في هذا الصدد من حيث مداها وآثارها لأحكام الاتفاق المبرم بينهما وهو عقد الوكالة، ولما كان ذلك وكان البين من ظاهر الأوراق ودون مساس بأصل طلب الإلغاء أن المدعي (الطاعن) قد قام بتوكيل المدعي عليه الثابت بتاريخ 18/ 4/ 2010 في ت مثيله قانونًا في كافة الإجراءات الإدارية والقانونية التي يتم اتخاذها أمام الجهة الإدارية المختصة بتلقي طلبات الترشح لانتخابات التجديد النصفي لمجلس الشورى لعام 2010 عن مقعد فئات الدائرة الثانية بدمياط، بما في ذلك التنازل عن ترشحه في الانتخابات عن الدائرة المشار إليها، واتخاذ كل ما يلزم في هذا الشأن، وأن للوكيل الحق في توكيل الغير عنه في كل أو بعض ما ذكر، وأن هذا التوكيل غير قابل للإلغاء إلا بحضور الطرفين.

وإذ قام المدعي عليه الثالث بسحب أوراق ترشح المدعي لانتخابات التجديد النصفي لمجلس الشورى المشار إليها عن الدائرة المذكورة، فمن ثم يكون القرار المطعون عليه بحسب الظاهر من الأوراق قد صدر صحيحًا موافقًا للقانون.

ولا ينال من ذلك ما قام به المدعي (الطاعن) من إلغاء التوكيل منفردًا بحسبان أن الإجراء الذي تم قد صدر صحيحًا وقت اتخاذه، حيث لم يتبين من الأوراق اتصال علم الجهة الإدارية بواقعة إلغاء هذا التوكيل, فضلاً عن أن المدعي(الطاعن) قد أقر في محضر إلغاء التوكيل بأنه غير منصوص فيه على عدم إلغاء التوكيل إلا بموافقة الوكيل أو الطرفين، وهو ما يتعارض مع جاء بنص التوكيل المشار إليه، الأمر الذي ينتفي معه ركن الجدية في طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه، دون حاجة لبحث مدى توافر ركن الاستعجال لعدم جدواه.

ومن حيث إن الطاعن ينعي على الحكم المطعون فيه أنه قد خالف القانون، وأخطأ في تأويله وتفسيره، وصد مشوبًا بالفساد في الاستدلال، فضلاً عن إخلاله بحق الطاعن في الدفاع؛ وذلك لأن وكالة الطاعن للمطعون ضده الثالث قد انتهت بإلغاء التوكيل في الساعة الواحدة ظهر يوم 9/ 5/ 2010، مما يجعل من تصرف الأخير بسحب طلب ترشح الطاعن كمستقل غير نافذ في مواجهته؛ لاستعماله سند الوكالة للإضرار به، منحرفًا به عن مضمونها، بما لا يمكن معه نسب خطأ سلبي أو إيجابي ارتكبه الطاعن وساهم به في ظهور المطعون ضده المذكور بمظهر صاحب الحق، بل أن الأخير تجاوز الحد الزمني والموضوعي للوكالة على نحو لا ترتد معه آثارها إلى الطاعن؛ إذ إن الوكيل يعلم بانقضاء وكالته، ومن ثم يكون سحبه لطلب ترشح الطاعن كمستقل متجاوزا لحدود النيابة، سيما وأن المطعون ضده المذكور لم يكن حسن النية لاستعماله توكيلاً ملغيًا للإضرار بالطاعن، فالثابت أن الأخير لم يكتف بإلغاء الوكالة الخاصة للمطعون ضده للتنازل عن الترشح لعضوية مجلس الشورى ممثلاً للحزب الوطني، بل سارع إلى إعلانه بها، وتقدم الطاعن أصيلاً عن نفسه بالترشح كمستقل، بيد أن المطعون ضده تبعه بسوء نية مستغلاً سند الوكالة المعلن بإلغائه في سحب ترشيحه مستقلاً عن الحزب الوطني، حال أن الوكالة الخاصة لا تخول الوكيل صفة إلا في مباشرة الأعمال المحددة فيها، وهي التقدم بطلب الترشح وسحبه عن الحزب المذكور، الأمر الذي يجعل سحب طلب الترشح كمستقل غير نافذ في مواجهة الطاعن.

ومن ناحية أخرى فإن الحكم المطعون فيه صدر مشوبًا بالفساد في الاستدلال؛ ذلك أن ما انتهى إليه من أن الوكالة بين الطاعن والمطعون ضده الثالث مذيلة بعدم جواز إلغائها إلا بموافقة طرفيها الأمر الذي لا يجوز معه للموكل وحده إلغاء الوكالة هو استدلال غير صحيح قانونًا، ومردود بمخالفته لحكم المادة 714 محمولة على حكم المادة 715 من القانون المدني، فبمقتضى الأولى فغن الوكالة تنتهي بإتمام العمل الموكل فيه الوكيل، أو بانتهاء الأجل المحدد للوكالة أو بموت الموكل أو الوكيل، وفي الثانية يجوز للموكل في أي وقت أن ينهي الوكالة أو يقيدها ولو وجد اتفاق يخالف ذلك، وهو ما يقطع بأن النص آمر، والقول بغير ذلك يجعل الوكالة مرهونة بإرادة الوكيل، إن شاء قبل إلغاءها، وأن شاء رفض ذلك، فتغدو الوكالة عقدًا مؤيدًا، حال أنها محض حق شخصي.

ويضاف إلى ذلك أن الحكم المطعون فيه قد أخل بحق الطاعن في الدفاع بالتفاته عن دفع الطاعن يتجاوز المطعون ضده الثالث لحدود الوكالة زمنيًا وموضوعيًا، بتقريره أن العقد شريعة عاقدية لإنفاذ وكالة المطعون ضده الثالث في مواجهة الطاعن، بينما لا يمتد هذا المبدأ إلى وكالة ألغاها الطاعن وأعلن بها وكيله المطعون ضده الثالث.

ومن حيث إنه عن موضوع الطعن فإن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أنه يشترط لوقف تنفيذ القرار المطعون فيه ركنين مجتمعين: (أولهما) ركن الجدية بأن يكون الطعن في القرار قائمًا بحسب الظاهر من الأوراق على أسباب جدية يرجح معها الحكم بإلغائه عند الفصل في الموضوع، و(ثانيهما) ركن الاستعجال بأن يترتب على تنفيذ القرار نتائج يتعذر تداركها فيما لو قضى بإلغائه.

– ومن حيث إنه عن ركن الجدية فإن المادة 699 من القانون المدني عرفت الوكالة بأنها: “عقد بمقتضاه يلتزم الوكيل بأن يقوم بعمل قانوني لحساب الموكل”. ويعرفها فقهاء القانون بأنها: “عقد يعهد بمقتضاه شخص على شخص آخر أن يعمل له عملاً باسمه”، ويعرفها فقهاء الشرعية بأنها: “إقامة الإنسان غيره مقام نفسه في التصرف الجائز المعلوم ممن يملكه”.

والوكالة على وفق أحكام القانون المدني عامةٌ وخاصةٌ، فالوكالة العامة هي التي تَرِدُ بألفاظ عامة دون أن يجدد لها عمل قانوني معين، وتتصرف حينئذ إلى أعمال الإدارة، وتدخل فيها أعمال التصرف التي تقتضيها الإدارة. أما الوكالة الخاصة فيه التي تحدد بعمل أو أعمال قانونية معينة، فهي ترد على عمل من أعمال الإدارة، أو على عمل من أعمال التصرف، وقد ترد على العملين معًا في وقت واحد.

ومن ثم فإن الوكالة محلها دائمًا عمل أو تصرف يجوز للوكيل مباشرته نيابة عن الموكل ولمصلحته، كما أن الوكيل كَكُلِّ متعاقد ملزمٌ قانونًا أن ينفذ ما تعهد به بحسن نية، فإذا أخل بذلك رد عليه قصده؛ ذلك أنه حملاً على حكم المادة (105) من القانون المدني فإن ما يبرمه الوكيل في حدود وكالته ينصرف إلى الأصيل، بيد أن نيابة الوكيل عن موكله تقف عند حد الغش؛ إعمالاً لقاعدة الغش يفسد التصرفات، حتى ولو لم يجر بها نص خاص في القانون؛ لقيامها على اعتبارات خلقية واجتماعية تبطل بمخالفتها آثار الغش والخديعة، سيما إذا صدرت عن وكيل أؤتمن جانبه فانحرف عن حسن النية الواجب توافره في إجراء التصرفات باسم موكله ولحسابه ومصلحته.

كذلك فإن الوكيل ملزم بتنفيذ الوكالة دون أن يجاوز حدودها المرسومة، فالتجاوز في حدود الوكالة تنتفي به نيابة الوكيل عن الموكل إلا إذا اقر الأخير هذا التجاوز, ويجب لإقرار الموكل ما يباشره الوكيل خارجًا عن حدود الوكالة أن يكون الموكل عالمًا بأن التصرف الذي يقره خارج عن حدود الوكالة، وأنه أقره قاصدًا إضافة أثره إلى نفسه.

ومن حيث إن الوكالة من العقود التي بني على الثقة التي يضعها الموكل في وكيله، وأن للأول أن ي سحب ثقته من الوكيل إذا تراءى له ذلك في أي وقت شاء أو أن يقيدها؛ بحسبان أن الشخص الذي ينمح ثقته طوعًا لا يستساغ إكراهه عليها إذا تزعزعت عقيدته فيمن منحه ثقته، وهو ما جرى به نص المادة (715) من القانون المار آنفًا من جواز إنها الموكل للوكالة في أي وقت أو أن يقيدها، ولو وجد اتفاق يخالف ذلك، وهو ما يجعل النص متعلقًا بالنظام العام الذي لا يجوز مخالفته، وبذلك يكون المشرع قد أقر حق الموكل في عزل الوكيل.

وكذلك بالتوازي فإن من حق الوكيل أن ينهي عقد الوكالة بحسبانه يقدم خدمة للموكل، ومن ثم جاز له أن يتنحى عن أداء هذه الخدمة إذا ناء بعبئها، أو لم يكن قي مقدوره أن يستمر في أدائها.

ويترتب على عزل الوكيل اعتباره أجنبيًا عن الموكل، فلا يحتج عليه بالعقود أو التصرفات أو الأعمال التي يباشرها الوكيل؛ لأنه يفقد بالعزل سلطة النيابة عن الموكل.

وبإعلان الوكيل بعزله من الوكالة يتفادى الموكل الاحتجاج عليه بحسن النية الذي من شأنه الالتزام بتنفيذ ما أجراه الوكيل بعد عزله من تصرفات أو أعمال، ويقيم الموكل الدليل على علم الوكيل بالعزل بكافة طرق الإثبات، إذ لم يتطلب القانون وسيلة معينة لإثبات هذا العزل.

– ومن حيث إن الوكالة في مجال الحقوق الدستورية والحريات العامة هي وكالة خاصة بالنظر إلى طبيعة هذه الحقوق والحريات، إذ لا تتسع الوكالة العامة لها، ومن ثم فإن رقابة أحكام الوكالة في شأنها يجب أن تنسق وطبيعتها الدستورية.

ومن حيث إن رقابةَ المشروعية، حيث الحقوقُ الدستوريةُ، يُفترض إعمالُها بما يحقق الأغراض المقصودة منها، وألا يرد عليها من القيود إلا ما يتلاءم مع ضمان مباشرتها، إذ إن الدستور قد كفل لحقوق المواطنين التي وردت في صلبه الحماية التي تصونها من أي حيف أو جور.

– ومن حيث إن التعددية السياسية تعد من ركائز المجتمع الديمقراطي الذي يختلف مواطنوه فيما بينهم في التقاليد التي ورثوها، وأنماط ثقافتهم التي تلقوها، وتباين مذاهبهم السياسية التي يعتنقوها، إلا أن الديمقراطية تظل هي الطرق إلى صون كرامة الفرد وكفالة حقوقه السياسية، والتنافس مع غيره من أجل الوصول إلى السلطة وممارستها وتداولها في إطار مبدأ الخضوع للقانون، ومن ثم فلم تعد الديمقراطية مذهبًا فلسفيًا يدعو الناس إليه، وإنما صدرت أسلوبًا للحياة العامة يكفل إسهام المواطنين في شئونها بصورة فعلية دون عوائق تعترض حركتهم أو قيود تكبلها، لذلك ارتبط فهو من المواطنة بمباشرة المواطنين لحقوق السيادة الوطنية، سواء كان ذلك بصفتهم ناخبين يتمتعوا بحق الاختيار الذي يفاضلون من خلاله بين المرشحين كل وفق ما يتبناه من قضايا عامة أو فئوية أو بوصفهم مرحين يتنافسون فيما بينهم للوصول إلى المجالس النيابية.
وقد كفل الدستور بمقتضى المادة (62) منه لكل مواطن حق الانتخاب وحق الترشح، وهما حقان يؤثر كل منهما في الآخر، الأمر الذي يستلزم ضمان حق المترشحين في التنافس على الفوز بالمقاعد في المجالس النيابية سواء بسواء، مع ضمان حرية الناخبين في الإدلاء بأصواتهم، والمساس بأي منهما يفرغ واجب إسهام المواطنين في الحياة العامة من مضمونه.

ومن حيث إن الوكالة ولئن نظمها المشرع في القانون المدني تتسع لقيام الوكيل بالأعمال أو إبرام التصرفات القانونية لمصلحة الموكل, إلا أن هذه الوكالة في نطاق الحقوق الدستورية – وهي وكالة خاصة – يتعين عدم التوسع في نطاقها أو تفسيرها، بل يتعين قصرها إلى الحدود التي لا تمثل عدوانًا أو افتئاتًا على حقوق الموكل الدستورية.

كذلك فإنه إن ساغ اللجوء إلى الوكالة لضمان الالتزام الحزبي، فإنه لا يسوغ اتخاذها أداة لحرمان المواطن من مباشرة حقوقه الدستورية إذا خرج على التزامه الحزبي وتقدم للترشيح للمجلس النيابي كمرشح مستقل أو انضم إلى حزب آخر؛ ذلك أن عدم الالتزام الحزبي قوامه انعدام الانتماء للحزب الذي له أن يضع من القواعد التنظيمية الداخلية ما يضمن هذا الولاء، أو يضع الجزاء التنظيمي المناسب للخروج عليه؛ دون أن يصل ذلك إلى حرمان المواطن من حقه الدستوري في الترشح والإسهام في الحياة العامة على نحو ما يرتئيه محققًا لذلك.

ومن حيث إن البين من الأوراق أن الطاعن قد قام بتاريخ 18/ 4/ 2010 بتوكيل – بصفته أمين الحزب الوطني عن محافظة دمياط، وذلك في تمثيله قانونًا في كافة الإجراءات الإدارية والقانونية أمام الجهة الإدارية المختصة بتلقي طلبات الترشح لانتخاب التجديد النصفي لمجلس الشورى لعام 2010 عن مقعد الفئات بالدائرة الثانية بمحافظة دمياط، بما في ذلك التنازل عن ترشحه في الانتخابات عن الدائرة المشار إليها، وذُيلت الوكالة بعدم قابليتها للإلغاء إلا بحضور الطرفين، ثم قام الطاعن بتاريخ 9/ 5/ 2010 بإلغاء التوكيل المشار إليه بموجب محضر التوثيق رقم 1863 لسنة 2010 وأـعلن به المطعون ضده الثالث بصفته، ثم تقدم بطلب للترشح عن الدائرة المشار إليها في ذات التاريخ باعتباره مستقلاً مستوفيًا كافة المستندات المطلوبة للترشح والمدرجة في النموذج رقم 43 س. الصادر عن مديرية أمن دمياط، إلا أن المطعون ضده الثالث بادر إلى سحب هذا الطلب بموجب التوكيل الصادر إليه والمعلن بإلغائه، الأمر الذي يكون معه تصرف المطعون ضده بسحب طلب ترشح الطاعن ليس خروجًا فحسب على مبدأ حسن النية الذي يجب عليه مراعاته لدى القيام بالأعمال أو إجراء التصرفات باسم موكله، بل يكون صادرًا عن أجنبي وذلك بعد عزله من الوكالة وإعلانه بذلك، دون محاجة بأن عقد الوكالة قد نص صراحة على عدم جواز إلغائه إلا بموافقة الطرفين وهو ما لم يتوافر في شأن إلغاء التوكيل الصادر عن الطاعن إلى المطعون ضده الثالث؛ ففضلاً عن مخالفة ذلك لصريح نص المادة (715) من القانون المدني فإن القول بأن رضاء الطرفين شرط لإلغاء الوكالة يعلق إرادة الموكل على محض إرادة الوكيل أن شاء قبل إلغاء الوكالة وإن شاء رفض ذلك، فتصبح الوكالة عقدًا مؤبدًا، فيقع الموكل في أسر الوكالة بعد أن غدت قيدًا على حقه وحريته في إجراء التصرفات، إذ يمكن بإرادته إبرام الوكالة ولا يكون له وإلى الأبد إنهاؤها، وهو ما يتعارض وطبيعة عقد الوكالة بحسبانه يرد على الحقوق الشخصية، ويكون التعارض أشد باعتبار الوكالة في هذه الحالة عدوانًا على حق الطاعن الدستوري في الترشح، وتغولاً على واجبه في الإسهام في الحياة العامة، بما يتعين معه والحال هذه عدم التوسع في تفسير أحكامها أو مد نطاقها، ويغدو من ثم قرار لجنة فحص طلبات الترشح لعضوية مجلس الشورى لعام 2010 باستبعاد الطاعن من الترشح عن الدائرة الثانية بمحافظة دمياط كمستقل بركيزة من أن وكالة الطاعن للمطعون ضده الثالث تستلزم موافقة الطرفين لإلغائها لا سند له من القانون، ولا ظل له من الواقع، مرجح الإلغاء، ويقوم به ركن الجدية في طلب وقف تنفيذه، ويتوافر ركن الاستعجال لأن إنفاذ القرار الطعين وإعمال مقتضاه يحول دون مباشرة الطاعن لحقه الدستوري في الترشح، وهو ما يمثل له ضررًا يتعذر تداركه، وبذلك يستجمع طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه ركنيه، وهو ما تقضي به المحكمة.

وإذ ذهب الحكم المطعون فيه خلاف ذلك فيكون قد ران عليه الخطأ في تأويل القانون وتفسيره متعينًا إلغاؤه.

ومن حيث إن من أصابه الخسر في طعنه يلزم المصروفات.

 

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبوقف تنفيذ القرار المطعون فيه فيما تضمنه من عدم إدراج اسم الطاعن بكشوف المرشحين عن الدائرة الثانية بدمياط كمستقل، وألزمت جهة الإدارة المصروفات.

(1) تنص المادة (715) من القانون المدني على أنه: ” 1 – يجوز للموكل في أي وقت أن ينهي الوكالة أو يقيدها، ولو وجد اتفاق يخالف ذلك…. 2 – على أنه إذا كانت الوكالة صادرة لصالح الوكيل أو لصالح أجنبي فلا يجوز للموكل أن ينهي الوكالة أو يقيدها دون رضاء من صدرت الوكالة لصالحه”.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *