القاعدة أن الخصومة في مرحلة الطعن يتحدد أطرافها
(100)
جلسة 26 من مارس سنة 2011
الطعن رقم 15506 لسنة 56 القضائية عليا
(الدائرة الأولى)
1 – السيد الأستاذ المستشار/ محمد عبد الغني محمد حسن رئيس مجلس الدولة
والسادة الأستاذة المستشارون نواب رئيس مجلس الدولة:
2 – مجدى حسين محمد العجاتي.
3 – حسين محمد عبد المجيد بركات.
4 – أحمد عبد التواب محمد موسى.
5 – أحمد عبد الحميد حسن عبود.
6 – عادل سيد عبد الرحيم بريك.
7 – شحاته على أحمد أبو زيد.
8 – منير عبد القدوس عبد الله.
( أ ) دعوى – التدخل في مرحلة الطعن – القاعدة أن الخصومة في مرحلة الطعن يتحدد أطرافها بأولئك الذين كانوا أطرافا في الخصومة في مراحلها التي سبقت مرحلة الطعن – استثناءً من ذلك يقبل طلب ذي المصلحة الذي يطلب الانضمام إلى أحد الخصوم في الطعن، وتكون طلباته مقتصرة على تأييد الخصم الذي يطلب الانضمام إليه، دون أن يتعدى ذلك إلى طلب الحكم بطلب لنفسه.
المواد المطبقة ( أ ):
المادة (236) من قانون المرافعات المدنية والتجارية.
(ب) دعوى – الطعن في الأحكام – استنهاض رئيس هيئة مفوضي الدولة ولاية المحكمة الإدارية العليا بشأن الفصل في الطعون التي تقام على الأحكام التي تصدر عن محكمة القضاء الإداري بهيئة استئنافية لا يكون إلا في حالتين حددهما القانون – المحكمة الإدارية العليا بحكم قوامتها على النزاع لا تقف عند الحالة التي بنى عليها الطعن إذا ما استبان لها أن الطعن لا يثير هذه الحالة، وإنما يثير الحالة الأخرى.
المواد المطبقة (ب):
المادة (23) من قانون مجلس الدولة الصادر بالقرار بقانون رقم 47 لسنة 1972.
(ج) مأذون – تعيين – معيار تفضيل حنفي المذهب – يستوي فيما يتعلق بالشهادات الواجب الحصول على إحداها تلك التي يتم الحصول عليها من إحدى كليات جامعة الأزهر، وتلك التي يتم الحصول عليها من إحدى الكليات بالجامعات الأخرى التي تدرس فيها الشريعة الإسلامية كمادة أساسية – إذا توافر للمتقدم للترشيح معيار التفضيل المتمثل في أن يكون حنفي المذهب كان واجبا تقديمه على غيره – إذا لما يتوافر في أي من المتقدمين هذا السبب للتفضيل وجب إجراء القرعة فيما بنيهم، يستوي في ذلك من كان منتميا لمذهب فقهي غير المذهب الحنفي، ومن لم يكن منتميا إلى أي من المذاهب الفقهية (1).
المواد المطبقة (جـ):
المادتان (3) و(12) من لائحة المأذونين الصادرة بقرار وزير العدل المنشور في الجريدة الرسمية في 10/ 1/ 1995 المعدلة بالقرار رقم 635 لسنة 1972.
الإجراءات
بتاريخ 27/ 3/ 2010 أودعت هيئة مفوضي الدولة قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريرا بالطعن في الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري بالمنوفية (الدائرة الثانية) بجلسة 21/ 2/ 2010 في الطعن رقم 574 لسنة 8 ق. س الذي قضي: أولاً – بقبول تدخل السيد/ ……. خصما منضما للجهة الإدارية الطاعنة، وثانيًا – بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعًا وإلزام الجهة الإدارية الطاعنة المصروفات.
وطلبت هيئة مفوضي الدولة – للأسباب المبينة بتقرير الطعن – الحكم بقبول الطعن شكلا، وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددا برفض الدعوى وإلزام المدعى المصروفات عن كافة درجات التقاضي.
وقد قدمت هيئة مفوضي الدولة تقريرا بالرأي القانوني في الطعن ارتأت فيه الحكم بقبوله شكلا وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددًا برفض الدعوى وإلزام المطعون ضده المصروفات.
وتحددت لنظر الطعن أمام الدائرة الأولى فحص جلسة 25/ 9/ 2010، وفيها قدم الصادر لمصلحته الحكم المطعون فيه مذكرة دفاع وحافظة مستندات طويت على إفادة من كلية الشريعة والقانون بطنطا (قسم الخريجين)، وبجلسة 18/ 10/ 2010 قدم الخصم المتدخل انضماميًا للجهة الإدارية إبان نظر الطعن الاستنئافي رقم 574 لسنة 8 ق. س مذكرة دفاع، طلب في ختامها الحكم بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددا برفض الدعوى، كما قدم حافظة مستندات، وبجلسة 6/ 12/ 2010 قررت المحكمة إحالة الطعن إلى الدائرة الأولى (موضوع) لنظره بجلسة 25/ 12/ 2010، وفيها طلب السيد/ ….. عن طريق وكيله التدخل انضماميًا إلى جانب الجهة الإدارية، وبجلسة 12/ 2/ 2011 قدم طالب التدخل صحيفة معلنة بهيئة قضايا الدولة بتدخله في الطعن، وقدم الخصم المتدخل إبان نظر الطعن الاستئنافى المشار إليه حافظة مستندات طويت على إفادة من كلية الشريعة والقانون مؤرخة في 10/ 1/ 2011 ومستخرج رسمي بنجاح طالب صادر عن قطاع المعاهد الأزهرية مؤرخ في 3/ 1/ 2011.
وبالجلسة المشار إليها قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة 19/ 3/ 2011 مع التصريح بمذكرات خلال أسبوعين، وخلال هذا الأجل قدم الخصم المتدخل إبان نظر الطعن الاستئنافى مذكرة صمم فيها على طلباته.
وتأجل صدور الحكم إداريا لجلسة اليوم حيث صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
– وحيث إنه عن طلب تدخل السيد/ …… فإن القاعدة القانونية التي تحكم الخصومة في مرحلة الطعن أن هذه الخصومة يتحدد أطرافها بأولئك الذين كانوا أطرافا في الخصومة في مراحلها التي سبقت مرحلة الطعن، سواء في ذلك المدعون أو المدعي عليهم أو المتدخلون، إلا أنه استثناء من هذه القاعدة فقد استقرت أحكام المحكمة الإدارية العليا – في ضوء المادة 236 مرافعات – على قبول طلب ذي المصلحة الذي يطلب الانضمام إلى أحد الخصوم في الطعن، وتكون طلباته مقتصرة على تأييد الخصم الذي يطلب الانضمام إليه، دون أن يتعدى ذلك إلى طلب الحكم بطلب لنفسه، ولما كان الثابت أن طالب التدخل اقتصرت طلباته على طلب الحكم بذات ما تطالب به الهيئة الطاعنة، فمن ثم تقضى المحكمة بقبول تدخله في الطعن.
وحيث إن الطعن قد استوفى جميع أوضاعه الشكلية فإنه يكون مقبولا شكلا، مع الالتفات عما أثير من زوال المصلحة بالنسبة لكل من الخصم المتدخل والمطعون ضده (زينهم…) إذا ما صدر من قرار بشأن المأذونية موضوع القرار ما هو إلا تنفيذ للحكم الطعين.
وحيث إن وقائع النزاع تخلص – حسبما يبن من الأوراق – في أنه بتاريخ 31/ 5/ 1997 أقام السيد/ زينهم….. الدعوى رقم 370 لسنة 44 ق أمام المحكمة الإدارية العليا للرئاسة ضد السيد/ وزير العدل طالبًا الحكم بوقف تنفيذ ثم إلغاء قرار محكمة شبين الكوم للأحوال الشخصية في المادة رقم 11 لسنة 1996 مأذونية شبين الكوم فيما تضمنه من استبعاده من الترشح وأحقيته في التعيين في وظيفة مأذون، ومن باب الاحتياط مساواته بالمرشحين الذين ستجرى القرعة بينهم، وإلزام جهة الإدارة المصروفات.
وقال المدعي شارحا دعواه إنه تقدم هو وآخر لشغل مأذونية ناحية ميت بره مركز قويسنا – منوفية، وبتاريخ 26/ 4/ 1997 قررت المحكمة استبعاد المرشحين الثامن والتاسع لعدم دراستهما للشريعة الإسلامية كمادة أساسية، واستبعاد المرشحين الأول والرابع والخامس (المدعي) والسادس لأنهم مذهب شافعي، وإجراء القرعة بين المرشحين الثاني والثالث والسابع الحاصلين على مؤهل ليسانس الحقوق؛ لكونهم متساوين في المؤهل والمذهب الحنفي. ونعي المدعي على هذا القرار مخالفته لأحكام لائحة المأذونين؛ حيث إنه حاصل على ليسانس الشريعة والقانون – جامعة الأزهر، وإنه دارس للمذاهب الأربعة، وحنفي المذهب هو وأسرته، وبذلك يتساوى مع من ستجرى القرعة بينهم بجلسة 7/ 6/ 1997.
وتدوول نظر الدعوى أمام المحكمة على النحو الثابت بمحاضر الجلسات، وبجلسة 30/ 1/ 1999 صدر الحكم بعدم اختصاصها محليًا بنظر الدعوى وإحالتها إلى المحكمة الإدارية العليا بطنطا – الدائرة الثانية – للاختصاص، ونفاذا لهذا الحكم أحيلت الدعوى إلى المحكمة الإدارية بطنطا حيث قيدت بجدولها العام برقم 388 لسنة 27 ق، وتدوول نظرها بجلسات هذه المحكمة وفق المبين بمحاضرها، وبجلسة 9/ 4/ 2000 قررت إحالتها إلى هيئة مفوضي الدولة لتحضيرها وإعداد تقرير بالرأي القانوني، وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريرا مسببا بالرأي القانوني ارتأت فيه الحكم بقبول الدعوى شكلا، وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه إلغاء مجردا مع ما يترتب على ذلك من آثار، ثم أحيلت الدعوى إلى المحكمة الإدارية بالمنوفية نفاذا لقرار رئيس مجلس الدولة رقم 315 لسنة 2001 حيث قيدت بجدولها العام برقم 2284 لسنة 1 ق، وتدوول نظرها بجلسات هذه المحكمة على النحو الثابت بمحاضرها، وبجلسة 19/ 3/ 2007 صدر الحكم بقبول الدعوى شكلا وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه رقم 4090 لسنة 1999 بالتصديق على قرار دائرة الأحوال الشخصية بمحكمة شبين الكوم الصادر بجلسة 22/ 3/ 1999 بتعين المرشح/ …… مأذونا لناحية ميت بره مركز قويسنا – منوفية – مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.
وشيدت المحكمة هذا الحكم على أساس أنه بعد تعديل المادة (3) من لائحة المأذونين التي حددت شروط من يعين في وظيفة المأذون بإضافة الحصول على أية شهادة من كلية جامعية تدرس فيها الشريعة الإسلامية كمادة أساسية بعد أن كان البند (ج) منها ينص على الحصول على شهادة التخصص أو شهادة العالمية أو شهادة الدراسية العليا من إحدى كليات الجامع الأزهر، أصبح معيار (حنفي المذهب) كمعيار للمفاضلة بين المرشحين معيارا غير منضبط؛ لأن دراسة الشريعة الإسلامية في كلية جامعية غير كليات جامعة الأزهر تتم دون التقييد بمذهب معين، وليس بالضرورة أن يكون خريج كليات الحقوق حنفي المذهب لمجرد دراسته قوانين الأحوال الشخصية على وَفق هذا المذهب؛ إذا الدارس يمكن أن يطلق عليه في هذه الحالة أنه حنفي الدارسة لا حنفي المذهب، والقول بغير ذلك فيه إضافة ميزة لخريج هذه الكليات تفضلهم على خريجي جامعة الأزهر عند التعيين بوظيفة المأذون، وهي نتيجة لم يقصد إليها المشرع عند تحديده الشروط الواجب توافرها فيمن يشغل هذه الوظيفة، ولإنه لما كان المدعي ممن ينتمون للمذهب الشافعي الذين استبعدتهم دائرة الأحوال الشخصية بمحكمة شبين الكوم الكلية، بينما أجرت القرعة بين المرشحين الحاصلين على ليسانس الحقوق تأسيسا على دراستهم لمادة الشريعة الإسلامية على وَفق ما عليه القوانين المطبقة حاليا في مجال الأحوال الشخصية، والذي يكون المذهب الحنفي هو المرجع الذي يتم الرجوع إليه لاستجلاء بعض النصوص في هذا المجال، فإن ما ذهبت غليه هذه الدوائر يكون مخالفا لقواعد المفاضلة المنصوص عليها في المادة (12) من لائحة المأذونين؛ إذ الدراسة بكليات الحقوق لا تفيد بالضرورة انتماء المدارس للمذهب الحنفي – كما سبق القول – ، ومن ثم يكون المدعي قد تساوى مع الحاصلين على ليسانس الحقوق في الحصول على مؤهل عالٍ دون أفضيلة مؤهل أحدهم على الآخر؛ إذ لا يوجد من هو حنفي المذهب، وبالتالي إذ أصدرت الجهة الإدارية قرارها رقم 4090 لسنة 1999 بالتصديق على قرار الدائرة المذكورة بتعيين المرشح/ أحمد….. مأذونا لناحية ميت بره مركز قويسنا منوفية، فإن قرارها يكون قد صدر بالمخالفة لحكم القانون حريا بالإلغاء، مع ما يترتب على ذلك من آثار، أخصها إعادة الأوراق للدائرة المذكورة لإجراء القرعة بين المرشحين المتبقين ومنهم المدعي لعدم وجود من ينتمي منهم للمذهب الحنفي.
وإذ لم ترتض الجهة الإدارية هذا الحكم طعنت فيه أمام محكمة القضاء الإداري بالمنوفية من الاستئنافي رقم 574 لسنة 8 ق. س بتاريخ 17/ 5/ 2007 طالبة الحكم بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددا برفض الدعوى مع إلزام المطعون ضده المصروفات عن درجتي التقاضي، على سند من القول أن الحكم خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله؛ لأن القرار المطعون فيه صدر مستجمعا مقومات القرار السليم والمشروع قانونا لأنه صدر بالتصديق على تعيين السيد/ أحمد الحاصل على ليسانس الحقوق، وكليات الحقوق تدرس فيها الشريعة الإسلامية وأحكام الزواج والطلاق طبقًا للمذهب الحنفي المأخوذ به في القوانين المتعلقة بالأحوال الشخصية للمسلمين، بخلاف المطعون ضده فحاصل على ليسانس الشريعة والقانون وهو شافعي المذهب، ولذا تم تفضيل الصادر القرار بتعيينه. أما ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من أن تفضيل المذهب الحنفى عند التساوى لم يعد قائما بعد تعديل المادة الثالثة من لائحة المأذونين فهو محض اجتهاد لا محل له من وجود النص وعدم إلغائه.
وتدوول نظر الطعن أمام المحكمة على النحو الثابت بمحاضر الجلسات، وخلالها قدمت صحيفة معلنة بتدخل الصادر القرار المقضي بإلغائه بتعيينه انضماميا إلى جانب الجهة الإدارية الطاعنة، وبجلسة 21/ 2/ 2010 صدر الحكم: أولا – بقبول تدخل السيد/ أحمد….. خصما منضما للجهة الإدارية الطاعنة. وثانيا – بقبول الطعن شكلا ورفضه موضوعا وإلزام الجهة الإدارية الطاعنة المصروفات.
وأقامت المحكمة حكمها على أساس ما ذهبت إليه المحكمة الإدارية العليا في حكمها الصادر بجلسة 12/ 1/ 1997 في الطعن رقم 3270 لسنة 39 ق من أن المعيار المتعلق بتفضيل حنفي المذهب كان يمكن التعويل عليه أثناء سريان حكم المادة (3) من لائحة المأذونين قبل تعديلها بقرار وزير العدل رقم 635 لسنة 1972؛ إذا كان نص البند (ج) من المادة المذكورة يجرى على النحو التالي: “….. (جـ) أن يكون حائزا لشهادة التخصص أو شهادة العالمية أو شهادة الدراسة العالية من إحدى كليات الجامع الأزهر”، ومن ثم كان من اليسير عند إجراء المفاضلة بين المرشحين للتعيين في وظيفة المأذون من حملة المؤهلات المشار إليها التعرف عل من ينتمي منهم للمذهب الحنفي في ضوء ما هو معروف من أن الدراسة في الكليات التابعة لجامعة الأزهر كانت تتم على وفق المذاهب الفقهية المعروفة، ويتم تحديد المذهب الذي ينتمي إليه الدارس في الشهادة الحاصل عليها، أما بعد إجراء التعديل للمادة المذكورة بقرار وزير العدل المشار إليه بإضافة النص على أية شهادة من كلية جامعية أخرى تدرس فيها الشريعة الإسلامية كمادة أساسية، فقد أصبح معيار المذهب الحنفي معيارا غير منضبط؛ لأن دراسة الشريعة الإسلامية في الكليات المشار إليها فضلا عن أنها تتم دون التقيد بمذهب معين، فإنه حتى مع التسليم بأن قوانين الأحوال الشخصية التي تدرس في هذه الكليات مصدرها الرئيس أو الذي يرجع إليه لاستجلاء بعض النصوص هو المذهب الحنفي، إلا أنها لا تلزم الدارس بإتباع هذا المذهب دون سواه، كما لا تتضمن الشهادة الدراسية الصادرة عنها أي بيان بالمذهب الذي ينتمي إليه الدارس، الأمر الذي يمكن أن يطلق معه على الدارس بالكليات المشار إليها أنه حنفي الدراسة وليس حنفي المذهب.
وترتيبا على ذلك فليس بالضرورة أن خريج كلية الحقوق يكون حنفي المذهب لمجرد دراسته أحكام قوانين الأحوال الشخصية على وَفق هذا المذهب، وأنه بناء على ذلك لما كان المرشحون لوظيفة المأذون الصادر بشأنها القرار المطعون فيه قد تساووا – ومنهم المطعون ضده – في الحصول على مؤهل عال دون أفضلية مؤهل أحدهم على الآخر، ولا يوجد بينهم من هو حنفى المذهب، فكان من المتعين على دائرة الأحوال الشخصية المعنية إجراء القرعة بينهم جميعا، أما وأنها استبعدت بعضهم ومنهم المطعون ضده لانتمائهم للمذهب الشافعي، وقررت إجراء القرعة بين المرشحين خريجي كليات الحقوق فقط فإن قرارها يكون قد خالف قواعد المفاضلة المنصوص عليها في المادة (12) من لائحة المأذونين، وإذ أصدرت الجهة الإدارية قرارها المطعون فيه بالتصديق على قرار الدائرة المشار إليها فإنه يكون بالتالي قد صدر بالمخالفة لصحيح حكم القانون، ويتعين إلغاؤه مجردا، مع إعادة الأوراق للدائرة المذكورة لإجراء القرعة بين المرشحين المتبقين ومنهم المطعون ضده لعدم وجود من ينتمي بينهم للمذهب الحنفي.
ومن حيث إن مبنى الطعن الماثل أن الحكم المطعون فيه أهدر معيار الأفضلية للمنتمين للمذهب الحنفي مخالفا بذلك أحكام لائحة المأذونين وما استقر عليه قضاء المحكمة الإدارية العليا الذي استقر على أنه: “وإن كان خريج كلية الحقوق وليس بالضرورة أن يكون حنفي المذهب لمجرد دراسته لأحكام قوانين الأحوال الشخصية على وفق هذا المذهب، إلا أنه في ذات الوقت لا يجوز إهدار معيار الأفضلية الخاص بحنفى المذهب، ومن ثم وإلى أن يتدخل المشرع بوضع ضوابط محددة لتطبيق هذا المعيار على خريجي الكليات الجامعية التي تدرس فيها الشرعية الإسلامية كمادة أساسية فإنه يتعين الأخذ بإقرار المرشح وما قدمه من مستندات معززة لهذا الإقرار أيا كانت طبيعة هذه المستندات، ما دام أن باقي المرشحين لم يقدموا ما يناقض هذا الإقرار أو يشكك في سلامة تلك المستندات “(حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 3270 لسنة 39 ق. ع بجلسة 12/ 1/ 1997 والطعن رقم 13154 لسنة 49 ق.ع بجلسة 6/ 5/ 2006).
وإنه لما كان الحكم الطعين قد أهدر معيار التفضيل بينما أعملته جهة الإدارة حيث استبعدت غير المنتمين للمذهب الحنفي وأجرت القرعة بين المرشحين المتساوين في الحصول على المؤهل العالي المنتمين للمذهب الحنفي، فبالتالي يكون قرارها متفقا وصحيح حكم القانون، ويكون الحكم مخالفا ما استقر عليه قضاء المحكمة الإدارية العليا.
ومن حيث إن المادة (23) من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972 تنص على أنه “يجوز الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا في الأحكام……. أما الأحكام الصادرة من محكمة القضاء الإداري في الطعون المقامة أمامها في أحكام المحاكم الإدارية فلا يجوز الطعن فيها أمام المحكمة الإدارية العليا إلا من رئيس هيئة مفوضي الدولة خلال ستين يوما من تاريخ صدور الحكم، وذلك إذا صدر الحكم على خلاف ما جرى عليه قضاء المحكمة الإدارية العليا أو إذا كان الفصل في الطعن يقتضي تقرير مبدأ قانوني لم يسبق لهذه المحكمة تقريره”، فإن استنهاض ولاية المحكمة الإدارية العليا بشأن الفصل في الطعون التي تقام على الأحكام التي تصدر عن محكمة القضاء الإداري بهيئة استئنافية لا يكون – كما هو مستقر عليه في ضوء صريح النص المذكور آنفا – إلا في الحالتين المذكورتين، بأن يكون الحكم قد صدر على خلاف ما جرى به قضاء المحكمة الإدارية العليا، أو أن يكون الفصل في الطعن يقتضي تقرير مبدأ لم يسبق لهذه المحكمة تقريره، بيد أن المحكمة الإدارية العليا بحكم قوامتها على النزاع ووجوب بيان حكم القانون الصحيح وتقرير القول الفصل بشأن ما أثير من خلاف حوله لا تقف عند الحالة التي ابتنى عليها الطعن المقام من هيئة مفوضي الدولة إذا ما استبان لها أن الطعن لا يثير هذه الحالة، وإنما يثير الحالة الأخرى من حالتي الطعن المنوه بهما.
وحيث إن الطعن الماثل يقتضي وضع مبدأ حول مدى استبعاد خريجي كليات جامعة الأزهر الشريف الذين يثبت انتماؤهم لغير المذهب الحنفي على وفق ما يكون مثبتًا في الشهادة الحاصلين عليها من بين المرشحين الذين يتعين إجراء القرعة بينهم بوظيفة المأذون، رغم تماثلهم من خريجي كليات الحقوق في دارسة الشريعة الإسلامية كمادة أساسية ودراستهم ما يتعلق بالأحوال الشخصية وفق قانون الأحوال الشخصية المعمول به والذي يتخذ من المذهب الحنفي عمدة لنصوصه والمرجع الواجب الرجوع إليه عند الاختلاف في الحكم فيما ليم يرد فيه نص قطعي في هذا القانون.
ومن حيث إن المادة (3) من لائحة المأذونين الصادرة بقرار وزير العدل في 10/ 1/ 1955 المعدلة بالقرار رقم 635 لسنة 1972 تنص على أنه: “يشترط فيمن يعين في وظيفة المأذون: أ – …. ب -…. ج – أن يكون حائزا لشهادة التخصص أو شهادة العالمية أو شهادة الدارسة العالية من إحدى كليات الجامع الأزهر أو أية شهادة من كليات جامعية أخرى تدرس فيها الشريعة الإسلامية كمادة أساسية….”.
وتنص المادة (12) على أنه: “بعد استيفاء جميع الإجراءات تصدر الدائرة قرارا بتعيين من تتوافر فيه الشروط من المرشحين، ولا يكون قرارها نافذا إلا بعد تصديق الوزير عليه. وفي حالة تعدد من تتوافر فيهم شروط التعيين يفضل من يحمل مؤهلا أعلى، ثم الحائز لدرجات أكثر في الامتحان المنصوص عليه في المادة التاسعة, ثم الحائز لدرجات أكثر في أحكام الزواج والطلاق، وعند التساوي يقدم حنفي المذهب، ثم يكون التفضيل بطريق القرعة”.
ومقتضى هذه النصين أن المشرع فيما يتعلق بالشهادات الواجب توافر الحصول على إحداها فيمن يعين في وظيفة المأذون قد ساوى بين تلك التي يتم الحصول عليها من إحدى كليات جامعة الأزهر الشريف وتلك التي يتم الحصول عليها من إحدى الكليات بالجامعات الأخرى التي تدرس فيها الشريعة الإسلامية كمادة أساسية، الأمر الذي يغدو واضحا منه أن عنصر التساوى فيما بين جميع هذه الشهادات يتمثل في انطواء الدارسة في الكليات التي تمنحها على دارسة الشريعة الإسلامية كمادة أساسية، بغض الطرف عن قيام دارستها على أساس من المذاهب الفقهية تخصصا من عدمه، ومن ثم تتساوى الشهادات التى تمنحها إحدى الكليات غير التابعة لجامعة الأزهر مع تلك التي تمنحها إحدى كليات هذه الجامعة من تلك الشهادات المنصوص عليها البند (ج) من المادة (3) متى كانت تقوم بتدريس الشريعة الإسلامية فيها كمادة أساسية، وعلى ذلك إذا توافر للمتقدم للترشيح معيار التفضيل المتمثل في أن يكون حنفي المذهب كان واجبا تقديمه على غيره، وإذا لم يتوافر في أي من المتقدمين هذا السبب للتفضيل وجب إجراء القرعة فيما بينهم بحسبان تساويهم في شرط الحصول على المؤهل الذي سبق منحه دراسة الشريعة الإسلامية كمادة أساسية، يستوي في ذلك من كان منتميًا لمذهب فقهي غير المذهب الحنفي، ومن لم يكن منتميا على أي من المذاهب الفقهية، لا سيما وأن الجميع يتعين عليه تطبيق أحكام قانون الأحوال الشخصية عملا والذي يتخذ من المذهب الحنفي عمدة لنصوصه، ومن الراجح فيه مرجحا عن الاختلاف في الحكم.
ومن حيث إنه ترتيبا على ما تقدم، ولما كانت الأوراق قد جاءت خالية مما يثبت أن أحدا من المتقدمين للتعيين في وظيفة المأذون لناحية ميت برده مركز قويسنا – منوفية، الصادر بشأن التعيين فيها قرار الجهة الإدارية رقم 4090 لسنة 1999 بالتصديق على تعيين المرشح/ أحمد…. مأذونا لهذه الناحية، بعد إجراء القرعة بينه وبين آخرين من الحاصلين على شهادة ليسانس الحقوق – حنفي المذهب، ورغم ذلك قامت جهة الإدارة باستبعاد المطعون ضده السيد/ زينهم….. وآخرين من الحاصلين على شهادات من تلك المنصوص عليا في البند (ج) من المادة (3) من لائحة المأذونين من كليات جامعة الأزهر بسبب ما ثبت من أن كلا منهم شافعي المذهب.
ولما كان المطعون ضده المذكور غيره ممن استطال إليهم الاستبعاد من بين من أجريت بينهم القرعة قد تماثلوا مع غيرهم ممن أجريت بينهم القرعة في دراستهم الشريعة الإسلامية كمادة أساسية، بل تماثلت دراستهم في شأن الأحوال الشخصية، حيث درسوا جميعا قانون الأحوال الشخصية المعمول به وفق الثابت من الإفادات المودعة ملف النزاع والصادرة عن قسم الخريجين بكلية الشريعة الإسلامية والقانون بطنطا، بما يعنى أنهم جميعا درسوا الشريعة الإسلامية كمادة أساسية، ودرسوا كذلك الأحوال الشخصية للمسلمين وفق قانون الأحوال الشخصية الذي اتخذ من المذهب حنفي عمدة لنصوصه، ومن ثم يكون نهج الجهة الإدارية مخالفا صحيح حكم القانون، مهدرا مركزا قانونيا بغير مسوغ مشروع لأولئك الحاصلين على إحدى الشهادات المنصوص عليها في البند (ج) المشار إليه، ومفضلا دون تأويل صحيح أولئك الحاصلين على ليسانس الحقوق، رغم تساوى الطائفتين دراسة ومؤهلا وفق ما سلف ذكره، الأمر الذي يغدو متعينا معه إلغاء القرار المطعون فيه وما يترتب على ذلك من آثار، أخصها وجوب إجراء القرعة بين المنتمين إلى كل من الطائفتين السالفتي الذكر، وتعيين من تسفر القرعة عن اختياره من بينهم.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قد ذهب هذا المذهب فإنه يكون متفقًا وصحيح حكم القانون لا مطعن عليه، ويكون الطعن عليه غير قائم على سبب ينال منه، لا سيما وأن هذا الحكم لم يخالف قضاء المحكمة الإدارية العليا وما خلصت إليه في الطعنين رقمي 3270 لسنة 39 ق. ع بجلسة 12/ 1/ 1997 و 13154 لسنة 49 ق.ع بجلسة 6/ 5/ 2006 إذ لم يثبت من الأوراق أن أيا من المتقدمين لمأذونية الناحية المذكورة حنفي المذهب، سواء في ذلك من صدر القرار بتعيينه أو غيره؛ لأن ادعاء ذلك يتعين أن يثبن للمحكمة على وجه لا يأتيه الوهن أو الريبة، لا سيما وأن الأوراق قد جاءت خلو من إفادة أي من كليات الحقوق التي حصل من أجريت القرعة بينهم على الشهادة الجامعية منها بأن أيا منهم درس الشريعة الإسلامية – غير قانون الأحوال الشخصية – على المذهب الحنفي، وهو ما يتوافق مع ما هو معلوم من اللوائح الداخلية لهذه الكليات، ومن ثم تعين رفض الطعن الماثل.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة:
(أولا) بقبول تدخل السيد/ …….. خصمًا منضمًا.
(ثانيا) بقبول الطعن شكلاً، ورفضه موضوعًا.