حكم تاريخي يؤكد على مشروعية التظاهر ويرفض تعسف الداخلية

باسم الشعب

مجلس الدولة

محكمة القضاء الإداري

الدائرة الأولي

بالجلسة المنعقدة علنا في يوم الثلاثاء الموافق 4/2/2003

 

برئاسة السيد الأستاذ المستشار / فاروق علي عبد القادر          رئيس محكمة القضاء الإداريgamaleid

وعضوية السيدين الأستاذين المستشارين :

أحمد محمد الشاذلي             نائب رئيس مجلس الدولة

عبد السلام عبد المجيد النجار         نائب رئيس مجلس الدولة

وحضور السيد الأستاذ المستشار / محمد مختار محمود         مفوض الدولة

وسكرتارية السيد / سامي عبد الله        أمين السر

 أصدرت الحكم الآتي في الدعوى رقم 7741/57ق المقامة من :

    الدكتور/ عبد المحسن حموده     بصفته الحارس القضائي لنقابة المهندسين ومسئول الطليعة الوفدية

ضد

    1- رئيس مجلس الوزراء       بصفته

    2- وزير الداخلية                بصفته

    3- وزير الأعلام                بصفته

    4- مدير أمن القاهرة            بصفته

    5- مدير مباحث أمن الدولة    بصفته

    6- محافظ القاهرة               بصفته

الوقائع :

وتخلص

  – في أن المدعي أقام الدعوى الماثلة بصحيفة موقعة من محامي اودعها قلم كتاب المحكمة في 30/12/2002 , وطلب في ختامها الحكم بوقف تنفيذ القرار الصادر من مديرية أمن القاهرة والمتضمن عدم الموافقة علي قيام المدعي وتنظيمه مسيرة شعبية يوم الاثنين 30/12/2002 تبدأ من ميدان السيدة عائشة بالخليفة ويكون خط مسيرها شارع محمد فميدان باب الخلق فميدان العتبة ثم شارع 26 يوليو فشارع طلعت حرب حتى ميدان التحرير ثم شارع القصر العيني حتى جامع عمر مكرم ويتجه إلي مبني السفارة الأمريكية وإتخاذ كافة الإجراءات اللازمة وأخصها إزالة أي عقبات أو عراقيل تحول بين تنظيم وقيام هذه المسيرة بالشكل الائق بغرضها الوطني النبيل بما في ذلك النشر والدعوة والأعلام ….

وبإلغاء القرار المطعون فيه مع ما يترتب علي ذلك من أثار -وعلي أن ينفذ الشق العاجل بمسودته وإلزام المدعي عليهم بصفتهم بالمصروفات

 وذكر المدعي بصفته – شارحا للدعوي أنه تقدم ونفر من المواطنين علي اختلاف توجهاتهم الوطنية والفكرية والسياسية من المناهضين لاعتداء أمريكا وحلافائها علي العراق الشقيق , وهم من المدافعين عن السيادة الوطنية لنظامه وحق شعبة المطلق – دون غيره في تقرير مصيره – هذا الإعتداء المتكرر الذي ينتهي بغزوه واحتلاله وتبديد ثروته ونظامه والإعتداء علي سيادته القومية , تقدموا بإخطار إلي المعلن إليهم بصفتهم استناداً إلي قانون الاجتماعات العامة – قد أستقر عزمهم علي تنظيم مسيرة شعبية سلمية هادئة ومنظمة تعبيرا عما يجيش في صدرهم وصدور الشعب المصري علي اختلاف انتماءاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية من مشاعر حبيسة فياضة ومن أحاسيس وعواطف إنسانية حيال الشعب العراقي الشقيق , ومن ثم تلحق بما أدته الشعوب غير العربية الأخرى شرقا وغربا للشعب المظلوم بمظاهرات ومسيرات تضم عشرات بل مئات الألوف من المواطنين بلغ في بعض المدن الأوربية نصف مليون متظاهر في المسيرة الواحدة , ويتوقع أن يسير عدد المتظاهرين في 18/ فبراير القادم (مليون مواطن إيطالي ) في مدينة ميلانو الإيطالية – بل وجدت مسيرات المظاهرات الإحتجاج ضد الحكومة الأمريكية داخل الولايات المتحدة نفسها وبشكل متكرر

 وأضاف المدعي بصفته – شارحا للدعوى – أن المسيرة تتوخي في المقام الأول إحياء ما اتسم به الشعب المصري من شهامة ومروءة نضال وإيثار – تلك القيم الغائرة في أصولنا واصالتنا بل انها تؤدي إلي تجميل صادق لوجه الشعب المصري ومبادراته الوطنية والقومية المتأصلة في أعماقه وإسطرد المدعي – أنه تقدم بإخطار إلي الجهات المختصة حدد فيه طلباته وخط سير المسيرة التي حددها يوم 30/12/2002 إلا انه اخطر في 30/12/2002 بعدم موافقة الجهات الأمنية علي تنظيم أي مسيرات أو إقامة أي سرادقات بالطريق العام في أي جهة في القاهرة .

 ونعي المدعي علي القرار صدروه مخالفا للدستور والقانون وخلص إلي طلب الحكم بطلباته السالف ذكرها في صدر الموضوع – وقد حددت المحكمة جلسة 28/1/2003 لنظر الشق العادل – وفيها قدم الحاضر عن المدعي ثلاث حوافظ مستندات طويت علي المستندات المعلاه علي أغلفتها , كما قدم الحاضر عن الجهة الإدارية حافظة مستندات طويت علي رد وزارة الداخلية ومذكرة بدفاع , طلبت في ختامها الحكم برفض الدعوى بشقيها وإلزام المدعي بالمصروفات , وبذات الجلسة قررت المحكمة حجز الدعوى للحكم بجلسة اليوم وقد صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة علي أسبابه عند النطق به

المحكمة

 بعد الإطلاع علي الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد إتمام المداولة .

من حيث أن المدعي بصفته يطلب الحكم بقبول الدعوى شكلاً و بوقف تنفيذ قرار جهة الإدارة برفض التصريح له بتنظيم مسيرة شعبية تبدأ من ميدان السيدة عائشة حتى جامع عمر مكرم علي أن يتجه إلي السفارة الأمريكية مع إتخاذ كافة الإجراءات اللازمة و إزالة العقابات التي تتعارض مع الشكل اللائق بغرضها الوطن النبيل ، و علي أن ينفذ الحكم الصادر في الشق العاجل بمسودته بدون إعلان علي ما يترتبعلي ذلك من آثار و إلزام الجهة الإدارية بالمصروفات .

و من حيث أن الدعوى استوفت سائر أوضاعها الشكلية و الإجرائية – فإنها تكون مقبولة شكلاً – .

و من حيث أنه عن الشق العاجل ، فإن قضاء هذه المحكمة قد أستقر علي أنه يلزم لوقف تنفيذ القرار توافر ركنين مجتمعين :

 أولهما : أن يكون الطلب قائماً علي سبب جدي .

و ثانيهما : أن يترتب علي عدم تنفيذ القرار نتائج يتعذر تداركها .

 و من حيث أنه عن ركن الجدية – فإن المادة ( 47 ) من الدستور تنص علي أن :

 حرية الرأي مكفولة و لكل إنسان حق التعبير عن رأيه و نشره بالقول أو الكتابة أو التصوير أو في غير ذلك من وسائل التعبير في حدود القانون …

 و تنص المادة 54 من الدستور علي أن :

  ” للمواطنين حق الإجتماع الخاص في هدوء غير حاملين سلاحاً و دون حاجة إلي إخطار سابق ولا يجوز لرجال الأمن حضور إجتماعتهم الخاصة ” ” و الإجتماعات العامة و المواكب و التجمعات مباحة في حدود القانون .

 و نتقضى المادة الأولى من القانون رقم 14 لسنة 23 بتعزيز الأحكام الخاصة بالإجتماعات ، بأن الإجتماعات العامة حرة كما أوجبت المادة الثانية منه – القائمين علي تنظيم الإجتماعات بإخطار الإدارة و علي أن يكون الإخطار شاملاً زمان و مكان الإجتماع كما نصت أحكام النص الثاني منه بسريان أحكام الإجتماعات العامة علي المظاهرات في الطريق العام .

 و من حيث أن المستفاد مما تقدم أن الدستور قد أعلي من شأن الحريات العامة و اباح منها للمواطنين حقهم في عقد الإجتماعات العامة و تسير المواكب و علي أن يتم ممارسة هذا الحق في إطار أحكام القوانين التي تقوم علي تنظيمه مستهدفة تمكين المواطنين من مباشرة حقوقهم العامة دون حظر لها لحسبان أن هذا الحق سواء كان حقاً أصلياً أو حقاً تابعاً لحق التعبير يمثل نافذة للمواطنين عن أرائهم و يطرحون فيها أمالهم معبرين في شكل من أشكال التفكير الجماعي عن مواقفهم و توجهاتهم السياسية و الإجتماعية و الصحافية ولا ريب في أن حرية المواطنين في عقد الإجتماعات و تسير المواكب تفقد قيمتها إذا جحدها المشرع حال تنظيمها لها بقيود تشرعية تمنع ممارستها أو تدخلت الإدارة رافضة لها بمبررات تنال من حق المواطنين في ممارستها علي وجه يخرج قرراتها عن نطاق المشروعية أو حرية التعبير المباح المقرر لها بإعتبارها القوامة علي حفظ الأمن و النظام العام داخل البلاد و هذا الحق لا يتعارض مع حق المواطنين و يكون علي الإدارة إقامة نوع من التوازن بين حق المواطنين و واجباتها المشار إليها أنفاً .

و من حيث أنه و لما كانت مصر قد استوت علي قمة العالمين العربي و الإسلامي ليس فقط بكثافة سكانها و موقعها المتميز و إنما بحضارة تليدة و موروث ثقافة جعلت منها في ثورات العرب و حروبهم و بإنتصارتهم – الدولة القائدة و في ميادين السلام و التعاون العربي بين دول العالم الدولة الرائدة فإن تعبير شعبها عن رأيه في مسأله مصيرية تتعلق بشعب عربي بات أمراً لازماً ليتشارك مع الموقف الرسمي في نبذ كل عدوان أو تهديد به ينال أحد الشعوب العربية هو موقف مسبوق من مصر العربية في قريب المشكلات العربية و بعيدها غاية الأمر و لزومه إلتزاماً قانونياً يقع علي عاتق المعبرين عن أراءهم يتمثل في التمسك بوجه حضارة يعبر عن  أصالة الشعب العظيم و دوره التاريخي فى الدفاع عن أمته العربية و الإسلامية

وواجب علي الإدارة أن تبعد عن التجمعات المواكب كل راغب في إهدار الأمن العام و السكينة العامة و تفريغ المظاهرة من نبل مقصدها و في كل الأحوال يضع الجميع تحت ناظريهم ما تقوم به كافة دول العالم أفراداً و حكومات من  إظهار لحضارة دولهم و مواقفها الشعبية عن المشكلات الدولية المثارة سواء أكانت دولهم أطراف فيها أم مجرد مشاركة شعب ما في مشكلة من مشكلاته و من حيث أن البين من ظاهر الأوراق و في حدود الفصل في الشق العاجل من الدعوى أن المدعي قد تقدم إلى وزارة الداخلية بطلب يخطرها فيه بإعتزامهم القيام بمسيرة شعبية سلمية ضد العدوان الأمريكي علي العراق محدداً زمان و مكان هذه المسيرة إلا أن وزارة الداخلية رفضت مستندة إلى كثافة المرور و الحاجة إلى تكيف الخدمات الأمنية و ما ورد بكتابها من رصيد أمني لإمكان إندساس عناصر مناوئة حال تسير تلك المسيرة بشكل قد ينال من سلامته و سلامة الأمن ولا ريب أن هذه المبررات علي فرض صحتها لا تصلح سبباً  كافياً لمنع حق دستوري عام مقرر من مواطنين و يتصل إتصالاً وثيقاً بالحريات العامة بل أن علي وزارة الداخلية إستناداً و إعمالاً لواجبها الدستوري و القانوني إتخاذ الإجراءات والضمانات التى تمنع عن المسيره كل راغب في إثارة البلبلة بين المواطنين و إخراج المسيرة عن نبل مقصدها و ذلك عن طريق تحديد خط سيرها الأمثل بما يتلاءم مع ضرورات الأمن العام وحماية المواطنين و حريتهم و من ثم تحقيق صحيح حكم القانون .

 و من حيث أنه و لما كان الأمر كذلك فإن طلب المدعي وقف تنفيذ القرار المطعون فيه يكون قائماً علي سند جدى يبرره كما يتوافر الاستعجال لما يترتب علي رفض الجهة الإدارية من أضرار تنال من حقوق المواطنين و حرياتهم العامة كما تم طوائف الشعب من التعبير عن أرائهم في مشكلات شعوبهم كما تقضي المحكمة بتنفيذ هذا الحكم بمسودته و بدون إعلان عملاً بحكم المادة 286 مرافعات

فلهذه الأسباب

 حكمت المحكمة بقبول الدعوى شكلاً و بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه مع ما يترتب علي ذلك من أثار وعلي الوجه المبين بالأسباب ألزمت جهة الإدارة بمصروفات الطلب العاجل و أمرت بتنفيذ الحكم بمسودته بدون إعلان و بحالة الدعوى إلي هيئة مفوضي الدولة لتحضيرها و تقرير الرأي القانوني في موضوعها .

    أمين السر

    رئيس المحكمة

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *