كل هذا الفقر !!
يعيبون على الفقراء تناول الطعام على موائد الفنانين ويتناسون
وكأنها موضوعات ومقالات إحتفظ بها كُتابها داخل ادراج مكاتبهم حتى تعفنت ، وما أن يهل شهر رمضان حتى يبدأوا ” كتجار الأغذية الفاسدة ” في تقيؤها علينا ، فتزكمنا بها الجرائد وتطفح بها المجلات .
* هل تناول الطعام على مؤائد الرحمن التي تقيمها الفنانات حلال أم حرام ؟
* موائد الرحمن التي تملأ شوارع مصر والقاهرة دليل على التراحم والتلاحم ؟
* ما من دولة تنتشر بها موائد الرحمن مثل مصر!!
تلك عينة من عناوين وموضوعات السادة الكُتاب والصحفجية ومشايخ النفط ، الذين تمرسوا في تحويل المصائب والكوارث التي يعيشها أبناء هذا البلد ، الى بشائر للخير ودليل على التدين !!
يسيرون هم على راحتيهم ، فيرون الفقر تراحم ، والقهر كرامة ، والانكسار عزة !!
بالفعل ما من دولة ينتشر بها هذا الكم من موائد الرحمن مثل مصر … ولكنهم يغفلون باقي الفقرة !
فيصبحون كالقائل ” ولا تقربوا الصلاة … ” !
نكملها نحن : وما من دولة تمتهن بها كرامة الفقراء مثل مصر .
فهذا العدد الهائل من موائد الرحمن الذي ما زال قاصرا عن استيعاب الاعداد المتزايدة للفقراء في مصر ، الذين باتت موائد الرحمن تمثل لهم إنقاذا للبطون الخاوية من قرصة الجوع .. حتى أن الاثر البغيض للمعاملة الفظة التي غالبا ما يلقونها على تلك الموائد سرعان ما يتراجع ليحل بعدها تساؤل عن الغد وامكانية ان يجدوا ما يسد رمقهم به ، و يحمون أطفالهم من بطش الجوع .
بعض رواد هذه الموائد من السائقين وجنود المرور والذين تأخروا في العودة ، او حتى الشباب الذي خُدعوا بكلام الصحفجية والشيوخ وظنوه نوع من التلاحم أو حتى الأصالة !!
لكن الغالبية العظمى من رواد تلك الموائد هم الفقراء ، الذين يتزايدون يوما بعد يوم ، نتيجة سياسات حكومتنا وممارساتها .
وحيث يسكن الفقر و يخيم الانكسار على البيوت ، يجب ان يكون السؤال ، الذي تتراجع بجواره أي اسئلة :
* من المسئول عن زيادة أعداد الفقراء بهذا الشكل الخطير ؟
* وهل هو أمر عادي أن ينتشر الفقر بتلك الدرجة ، التي ينتشر بها الفساد ؟
* وهل وجود من يتبرعون بتلك الموائد “لوجه الله ، أو لغرض اخر ، يقلل من حجم المشكلة؟
– وعلى الرغم من أن الاجابة ليست بالصعبة او المستعصية ، لأننا نعلم انها حكومتنا وحكامنا ، المعادية والمعادين للفقراء ، قدر عدائهم للحريات !
إلا أننا لا يجب أن نركن لسهولة الاجابة ، وننشغل بأمور أخر ى .. بل علينا أن نرددها كل يوم ، وكل لحظة ، وكلماشاهدنا أحد هؤلاء الفقراء ، ومع كل نظرة إنكسار في عين فقير أو جائع .
نرددها لنتذكر ، ونغضب ، ونشتعل غضبا .. على تلك الحكومة التي لم نرى منها سوى القمع وتغييب الحريات والخبز ، ولم ترى هي ” او لم تشأ أن ترى ” لصوص البنوك وسماسرة القطاع العام والعرق .
حكومة ليس من انجاز لها وعلى مدار سنين طويلة سوى الفساد والكباري وصدارة قائمة الدول الاكثر قمعا وتعذيبا في العالم !
* هل لديكم حكومة تنكر على ابنائها تفجير طاقتهم وقوة عملهم في عمل يقيهم غيلة الفقر ؟
** تلك هي حكومتنا !
* هل تعيشون في دولة السجن فيها أقرب اليكم من حبل الوريد ؟
** تلكم هي دولتنا !
* هل من انجازات حكومتكم اضافة مفردات ، الطوارئ والمحاكم العسكرية والسحل بأقسام الشرطة ، للغة الضاد ؟
** تلك هي مفرداتنا وألف باء المعرفة !
* هل يلوم شيوخكم وكتابكم الفقراء لأنهم لا يملكون ثمن الفول أو الخبز ، ويتناولون طعامهم على موائد الفنانين والراقصات ؟
** لدينا من هؤلاء الشيوخ الشئ الكثير ومستعدين لتوصيل الشيوخ اليكم مجانا !
****
لدينا الكثير والكثير مما حُرمتم منه ،
فقط ليس لدينا شيئان ” استثناء يؤكد القاعدة “
ليس لدينا الخبز أوالحرية
لكن لدينا ، مثلكم ، وقد يزيد عنكم ، لهفة ورغبة في امتلاكهما .
فهل ………؟
جمال عيد
رمضان/ نوفمبر 2003