عمرو موسى ، خليك بالبيت

لا نذكر له تورطه في جريمة ، ولا نذكر له دفاعه عن قضية.

لا نعلم له معارضة لخطأ ، ولا نعلم له موقف سياسي .

إنه السيد عمرو موسى ، الدبلوماسي المخضرم ، صاحب التاريخ الطويل في السلك الدبلوماسي لنحو 53عاما ، تعايش خلالها مع كل الحكومات المصرية ، وتآلف فيها مع كل الأنظمة العربية ، فلم يعادي أو يعارض خلالها أي نظام ، ولم يحسب على أي منها.

تدرج السيد عمرو موسى خريج كلية الحقوق في المناصب الدبلوماسية منذ عام 1958 خلال حكم الرئيس الراحل جمال عبدالناصر ، حتى أصبح مستشارا لوزير الخارجية  في عهد الرئيس الأسبق أنور السادات ، في نهاية السبعينات ، ورغم استقالة وزيري الخارجية في هذا الوقت “محمد ابراهيم كامل ، اسماعيل فهمي” احتجاجا على كم التراجعات والتنازلات التي قدمها السادات لإسرائيل ، فقد ظل في منصبه ، وكأن الأمر لا يعنيه ، أو لم يكن يعنيه بالفعل ، ليستكمل عمله خلال عهد الدكتاتور حسني مبارك ، ليتنقل ما بين الأمم المتحدة ممثلا لمصر ، وسفيرا لها بالهند حتى عام 1990 ، وهو العام الذي اجتاحت فيه القوات العراقية  الكويت ، ونتيجة لمواقفه المتماهية مع سياسات مبارك في هذا الوقت ، تم تعيينه كوزيرا لخارجية مصر ، حيث لعب دورا أقرب لعراب مفاوضات السلام التي دارت بين العرب-السلطة الفلسطينية من جانب ، والحكومة الإسرائيلية من جانب اخر ، لاسيما اتفاقية اوسلو ، التي يعتبرها العديد من الكتاب والمحللين ضمن أسوأ الاتفاقيات بين العرب وإسرائيل.

أيضا وفي ظل غياب المعلومات التي تفسر التراجع الذي أصاب الدور المصري لدعم المحكمة الجنائية  الدولية التي عقد مؤتمرها التأسيسي في روما 1998 ، وتحول مصر من دولة داعمة بوضوح لإنشاء المحكمة الدولية ، إلى دور مناهض لها ، تثير هذه الفترة وهذا الموقف العديد من علامات الاستفهام التي لا تجد إجابات شافية لها حتى اليوم.

وبعد عشرة أعوام من توليه منصب وزارة الخارجية المصرية ، تم تصعيده ليصبح أمينا عاما لجامعة الدول العربية ، ورغم محاولات مؤرخو النظام المصري لإضفاء دورا بارزا له خلال فترة توليه هذا المنصب الهام لأهم منظمة إقليمية بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا و الذي تولاه   السيد عمرو موسى لنحو عشرة أعوام ، إلا أن التراجع الذي أصاب جامعة الدول العربية في عهده ، والذي كان ضمن تجلياته تقديم غطاء دبلوماسي لاحتلال القوات الامريكية للعراق في 2003 ، فضلا عن مزيد من تبعية  الجامعة العربية للحكومات العربية ، لاسيما حكومات الخليج الممعنة في رجعيتها وإستبدادها ، يظل أهم سمات جامعة الدول العربية خلال عهده الذي إستمر حتى قيام الثورة المصرية في يناير 2011ورحيله عنها.

السيد عمر موسى ، لم يرحل عن جامعة الدول العربية لشعوره بالندم على تاريخه الممالئ للحكومات العربية والنظام المصري ، أو من أجل الانضمام لصفوف الشعب المصري محاربا من أجل العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية التي طالب بها شعب مصر ، بل تطلعا لمنصب الرئيس ، وكأنها ترقية إضافية يختتم بها تاريخه كموظف كفئ لم يغضب رؤساءه يوما ، ولم ينحاز لمعارضيهم خلال تاريخه.

وكأن قدر المصريين أن يتخلصوا من ديكتاتور عسكري إنتمى طوال تاريخه لرجال أعمال فاسدين، ليسلموا بلدهم إلى موظف لم ينتمي طوال تاريخه سوى إلى نفسه.

خامسا ضمن أعلى الأصوات في الانتخابات الرئاسية في 2012 ، حل السيد عمرو موسى ، ليس لأنه الأجدر ، ولكن برأيي نتيجة الإحباط والإرهاق الذي حل بالكثير من المصريين نتيجة سياسات ورثة مبارك العسكريين ، ونزل بسقف طموحهم من رئيس ثوري إلى رئيس أفضل ولو قليلا من ديكتاتور .

بعد ايام يكمل السيد عمرو موسى عامة الـ 75 ، وفي سن كهذا ، وبدلا من طموح لم يشهد عملا وانحيازا ومواقف تعززه ، فخير ما ننصح به السيد عمرو موسى ، ان يركن لكتابة مذكراته ، ويقدم خبراته الوظيفية لأجيال من الدبلوماسيين ، ونقترح له عنوانا لها ” كيف تكون محايدا بين الضحية والجلادين”.

جمال عيد

ترجمة لعمود : الجانب الأخر : نشر في جريدة ديلي نيوز ايجيبت ، بتاريخ 1اكتوبر 2012

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *