قضية المجتمع المدني ، قصة مغايرة
الجانب الأخر
في منتصف شهر مارس من العام الماضي 2011 ، تقدمت نحو 60 من منظمات وجمعيات المجتمع المدني ، بمشروع قانون جديد للجمعيات الأهلية للدكتور عصام شرف رئيس الوزراء في هذا الوقت ،اثناء تولي الدكتور جودة عبدالخالق لمنصب وزير التضامن الاجتماعي ، وانتظروا تحديد موعد لمناقشتهم في مواد هذا القانون الجديد ، الذي كان أهم ما تضمنه ، وقف التدخل البوليسي في عمل الجمعيات من جانب ، وتأكيد لحق المجتمع في معرفة مصادر وحجم التمويل الذي تتلقاه مؤسسات المجتمع المدني وأوجه انفاقه ، إعمال لمبدأ الشفافية و حق القضاء في مراقبة ميزانيات هذه المؤسسات ومراجعتها.
الأمور في مصر لم تهدأ ، وبدلا من انخراط مؤسسات المجتمع المدني في التعاون مع أول حكومة للثورة لبناء مجتمع ديمقراطي ، أصبحت هذه المؤسسات ، وبخاصة منظمات حقوق الانسان مطالبة بالتصدي للانتهاكات الوحشية التي مارستها بعض وحدات الجيش المصري ضد شباب الثوار ، بدءا من اعتصام فبراير 2011 ، وحتى اقتحام جامعة القاهرة وصعق طلاب كلية الاعلام بالكهرباء في ابريل ، مرورا بتحويل المتحف المصري الى ساحة للتعذيب ، وواقعة كشف العذرية المعروفة في مارس .
لم يعقد عصام شرف لقاءه بمنظمات المجتمع المدني ، بل تم البدء في حملة من التشهير أشرف عليها ببراعة إحد رموز نظام مبارك الذي لم يكن قد سقط بعد ، وهي الوزيرة فايزة ابو النجا.
وكأنه كان تقسيم أدوار ، المجلس العسكري يقوم بالتشهير بالقوى السياسية مثل حركة كفاية و شباب 6ابريل ، لتقوم فايزة ابو النجا بالتشهير بمنظمات المجتمع المدني ، فيما يبدو أنه انتقام من كل من شارك بجهد في الاطاحة بمبارك.
سيل من التمويل الدولي اجتاح مصر ، جعل العديد من المنظمات الجادة تعلن رفضها لاي تمويل من جهات لا تتمتع بمصداقية كافية مثل المعونة الامريكية ، إلا أن العديد من المنظمات التي لم يكن لها دورا يذكر خلال حكم مبارك ، وجدتها مع بعض الجمعيات التابعة للنظام القديم وكذلك بعض القوى السياسية والدينية فرصة لتمويل انشطتها ، بغض النظر عن نوع هذه الانشطة ، سواء يجوز فيها التمويل أم لا.
لذلك كان من الطبيعي أن تعزز الوزيرة فايزة ابو النجا حملتها بهذا الدليل الذي هبط عليها من السماء ، بل وان تبدأ إجراءات قانونية ، ليس ضد المخطئين ، بل للمزيد من التشهير بالمؤسسات الجادة ، عبر القاء الاتهامات والتخوين ضد المجتمع المدني بشكل عام ، دونما تفرقة بين الجاد والمتواطئ أو الفاسد.
التشهير والتشكيك في المؤسسات الجادة كان هو الهدف انتقاما منها على دورها في التصدي لمبارك قديما ، ولممارسات المجلس العسكري حديثا ، لذلك كان منطقيا أن يتمخض الجبل ليلد فأرا !!
فالقضية التي عقد لها مؤتمران صحفيان ، الاول عقده وزيرا العدل والتعاون الدولي ، والثاني عقده قاضيا التحقيق أشرف العشماوي وسامح أبو زيد ، ورغم المخالفة القانونية “حيث لا يجوز أن يعقد قاضي او وزير مؤتمر صحفي حول قضية لم تنظرها المحكمة” لم تتضمن اي مؤسسة من المؤسسات التي نالت من التشهير قسطا كبيرا ، فضلا عن كم الاكاذيب التي أدلى بها نجوم المؤتمرات الصحفية ، سواء الوزراء أو القضاة.
ليس ذلك فقط ، بل أن الدور الوطني الزائف الذي حاولت ابو النجا والمجلس العسكري القيام به ، أسفر عن الفضيحة المعروفة اعلاميا بسفر متهمي قضية التمويل للخارج ، بموافقة قد تصل لحد المباركة من المجلس العسكري ، ورئيس الوزراء في هذا الوقت الشهير بعبارة ” لن نركع” كمال الجنزوري.
رحل المجلس العسكري وينتظر اعضاء به التحقيقات في نحو 60بلاغا مقدم ضدهم.
رحلت فايزة ابو النجا ، ليحل مكانها فرحة غامرة لدي المصريين.
توارى قضاة التحقيق في الظل ، وينتظرهما تحقيق في شكوى تقدمت بها الجمعية التي أساءوا لها دون دليل ودون حق.
وبقيت المؤسسات الحقوقية “الجادة” تواصل عملها في التصدي لجرائم فترة الحكم العسكري ، فضلا عن الانتهاكات التي تشهدها الفترة الحالية.
وفي انتظار قانون جديد عادل ينظم عمل المجتمع المدني ، نعمل فخورين بانحيازنا للمظلومين.
جمال عيد
ترجمة لنفس مقال دايلي نيوز ايجيبت عدد الاثنين 8اكتوبر 2012