سوهارتو في القاهرة
لم تخطئ حين تقول أن سوهارتو في القاهرة ، أو حين تقول أن مبارك في جاكرتا !
فالكثير من المهتمين بالثورات الشعبية ، لا يجد فارقا كبيرا بين مبارك وسوهارتو ، مثلما لا يرون فروق ضخمة بين الثورة الشعبية في مصر ، ومثيلتها في أندونيسيا.
فكلا من مبارك وسوهارتو حكم بلده بالحديد والنار لنحو 30عاما ، وتشابهت ظروف تولي كل منهم للحكم ،مبارك عقب اغتيال السادات ، وسوهارتو عقب انقلاب على حكم سوكارنو.
كان الشباب في كل من البلدين هم من بدئوا حركات الاحتجاج ضد الديكتاتورية في البلدين ، وكانوا يمثلون أغلب الشهداء ، كانوا من قادوا الثورتين ، وكانوا أول من تم استثناءهم .
تسلم العسكر الحكم في البلدين ، استبد العسكر بالحكم في البلدين ، كان العسكر يمثلون النظام الديكتاتوري في البلدين ، كان عسكر أندونيسيا هم رجال سوهارتو ، وكان عسكر مصر هم رجال مبارك.
عقب الثورتين وتولي العسكر الحكم في البلدين ، ظهر الطرف الثالث ، زادت جرائم اليد الخفية ، غاب الاستقرار ، عاد رجال سوهارتو ومبارك في الوزارت التي شكلوها ، بعد تطعيمها ببعض الوجوه المقبولة ذرا للرماد في العيون ، تحالف العسكر مع التيارات الاسلامية في الاشهر الاولى عقب الثورتين ، ودب الخلاف بينهما قبل مرور عام على الثورتين.
زاد القمع واستشرى ضد الثوار ، محاكمات عسكرية وقتل في حوادث غامضة معلوم من دبرها ، وخافت الغالبية من الصراخ باسم الطرف الثالث ، لانه كان يملك السلطة في البلدين.
شعار الدستور أولا ، أو الرئيس أولا ،، زاد الشقاق بين المؤيدين للديمقراطية والمؤيدين للحكم الديني ،،
فاز جانب المؤيدين للحكم الديني ،،
تراجع دور العسكر عقب اتفاقات غير معلنة مع التيار الاسلامي باعتباره القوى الاكثر تنظيما بالخروج الآمن لقياداتهم.
كان طموح وزير دفاع سوهارتو “الجنرال ويرانتو” قد وصل به الى الطمع في رئاسة أندونيسيا ، ثم تراجع طموحه ليصل الى منصب نائب الرئيس ، إلا أن إستمرار الثورة ووجود الثوار في الشارع جعل كل ما يحلم به هو الخروج الآمن دون محاسبة أو عقاب على جرائمه.
لذلك فقد قبل بالتنازل والتسليم للتيار الاسلامي مقابل وعد بعدم المحاسبة والعقاب على جرائمه ،، جرائم الطرف الثالث.
وصل التيار الاسلامي المعتدل للحكم عقب انتخابات حصل فيها على الاغلبية بعد تحالفه مع التيار المتشدد ، لتبدأ مرحلة اخرى من الصراع والتنافس مع الثوار الراغبين في الديمقراطية.
زاد العبئ على الثوار ، وزادت مطالبهم رغم أنهم باتوا في صفوف المعارضة ، وبعد أن كانوا يطالبون بالديمقراطية والعدالة الاجتماعية ، باتوا يطالبون أيضا بمحاسبة من قتل وشق صفوفهم باسم الاستقرار الوهمي .
لم ينجز الدستور في مواعيده ، فقد اصبح التيار الاسلامي المعتدل مطالبا بتسديد الثمن للتيار المتشدد عبر إضفاء طابع اسلامي على الدولة والمجتمع ، رغم التعدد العرقي والتنوع الثقافي والسياسي في هذه الدولة الكبيرة.
كان الثوار هم الأقلية في البرلمان ، وفي الحكم ، لكنهم كانوا اصحاب الصوت الأعلى في الشارع ، كانوا مصرين على الديمقراطية في مجتمع ينوء بتركة ثقيلة وصعبة من الحكم الديكتاتوري والاستحواز الاسلامي على الحكم ، وتخازل قيادات المعارضة.
لكنهم ” الثوار” لم يستسلموا ، ظلوا بالشارع ، ظلوا يطالبون بالعدالة الاجتماعية ، ظلوا يمثلون رغم قلة عددهم صداعا مستمرا وشاهدا على ثورة شعبية عظيمة ، يحاول الاسلاميين اختزالها في تغييرات شكليه عبر عنها عامل أندونيسي شاب قائلا : نحن بحاجة الى الخبز والحرية أكثر من حاجتنا للحية وحجاب” !.
لم يستمر الاسلاميين في الحكم كثيرا ، حصلوا في الانتخابات التالية على اصوات لم تمكنهم من البقاء في مقعد الاغلبية .
لم تصبح أندونيسيا نموذجا للديمقراطية الكاملة ، لكنها ببعض الديموقراطية باتت وطنا للعيش المشترك بين كل الديانات والخلفيات السياسية ، واقتصاد هائل.
السعي لمحاكمة الجنرال ويرانتوا لم يكف ، ومع كل تطور لدولة سيادة القانون في ديمقراطية أندونيسيا ، تزداد فرص محاكمته على كل جرائمه.
هل هناك فارق كبير بين أندونيسيا ومصر؟
رغم ان الثورة لم تكتمل في مصر ، إلا أن المقدمات تؤكد ان الفروق لن تصبح كثيرة.
نحن بحاجة للقراءة في نموذج اندونيسيا
============
ترجمة مقال الديلي نيوز ايجيبت في 3ديسمبر 2012
http://dailynewsegypt.com/2012/12/02/from-the-other-side-suharto-in-cairo/
جمال عيد