حرية الصحافة ، تضليل الصحافة و الكوبونات التونسية

لعل الكثير منا يذكر ما سمي بفضيحة كوبونات النفط العراقي التي تفجرت في بداية عام 2004 ،و التي طالت العديد من الشخصيات و الصحفيين في مصر حرية الصحافة ، تضليل الصحافة و الكوبونات التونسيةونحو خمسون دولة أخرى ، والتي زعمت تقديم الحكومة العراقية لملايين البراميل النفطية لتلك الشخصيات مكافأة على دعمهم للنظام العراقي السابق .

وبغض النظر عن صدق هذه الفضيحة كليا أو جزئيا ، فإن المؤكد أن الحكومة التونسية صاحبت الباع الأكبر في الاستبداد اليوم ، قد اكتسبت هذه الخبرة ، وطورتها لتخلق نمطا رائدا وخاصا بها وهو ما يعرف بـ” كوبونات السفارات التونسية ” عبر ما يسمى بالموضوعات التسجيلية “الإعلانية ” التي يختلط فيها الإعلان بالإعلام ، حيث يتحول الإعلان المدفوع إلى مادة إخبارية محررة بشكل ملتو ، تهدف إلى إيهام القارئ بأن المنشور هو موضوع صحفي ، يمكنه الوثوق به ، ويخلق صورة مغايرة لحقيقة الوضع المزري في تونس .

ففي الوقت الذي يشهد وجود اشهر سجين رأي عربي في تونس ” محمد عبو” والمئات غيره ، تخرج علينا بعض تلك الموضوعات التسجيلية عن تونس لتحمل عناوين مثل ” حرية التعبير وإعلاء مبادئ حقوق الإنسان .. ” أو “دولة القانون .. حرية التعبير” !

ولنا أن نتصور شعور المواطن التونسي الذي تسيطر عليه حاله من الرعب والفزع من جراء ممارسات الأجهزة الأمنية التونسية التي لا تتورع عن تلفيق القضايا واستخدام التعذيب وتشويه سمعه الصحفيين أنفسهم ، حينما يجد أن بعض الصحف المصرية التي يكن لها المواطنين العرب تقديرا كبيرا ، وهي تسهم في تلميع وتقديم صورة زائفة عن الحكومة التونسية !

حتى أن بعض المواطنين التونسيين قد باتوا يعتقدون أن قراءتهم لهذه الموضوعات التسجيلية بإحدى الصحف ، قد بات مؤشرا على جريمة جديدة ترتكب في حق الصحافة التونسية أو نشطاء حقوق الإنسان ، وتصبح هذه الموضوعات التسجيلية وسيلة للتغطية على هذه الجريمة التي ترتكب .

وفضلا عن انتهاك تلك الموضوعات لمواثيق الشرف الصحفي مصريا وعالميا ، حيث تخلط الإعلان المدفوع بالمادة التحريرية ، فإنها تسهم بشكل فعال في تقليص مصداقية الصحف التي تنتهج هذا المنهج ، وتدفع العديد من الصحفيين إلى الارتماء في أحضان السفارة التونسية عبر غض الطرف عما يحدث في تونس ، وسعيا للفوز بأحد هذه الإعلانات المضللة التي رغم صغر مساحتها ، فإن المدفوع فيها مبالغ طائلة نظرا لصياغتها بهذه الطريقة الماكرة .

ويزداد الأمر تعقيدا حين تقع بعض هذه الأقلام و الصحف المصرية في مأزق الدفاع عن الحكومة التونسية التي تنتهك حرية التعبير ، وتعاقب الصحفيين بسبب كتاباتهم الصحفية ، في الوقت نفسه التي تخوض فيه هذه الأقلام والصحف المصرية معركة حامية مع الحكومة المصرية لوقف حبس الصحفيين في قضايا النشر ، ليصبح الأمر ملتبسا ، ويكيل بمكيالين ، وهو ما يطرح سؤلا ملحا : هل يستقيم الدفاع عن حرية الصحافة في بلد مع التواطؤ مع حكومة ضد الصحافة في بلد أخر ؟

جمال عيد
محامي ، ومدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *