يحكمنا الآن رجل وعد فأخلف، وائتُمن فخان، وحدثنا كثيرا فكذب، وعاد فكذب كذبه دين الثورة .

رجل تدار فى عهده مذابح لأربع مدن -محافظات مختلفة حتى هذه اللحظة «بورسعيد، دمياط، المنصورة، المحلة».

رجل أتى بما لم يأت به الأولون، من قتل على الفضائيات، وتعذيب، وسحل وانتهاك، وكل شىء لديه باسم الدين.

«الآن تدق على خشبة المسرح الثلاث دقات المشهورة، ويخرج علينا مسخا مشوها معلنا بداية الفصل الأخير من المسرحية الهزلية السوداء من حكم الإخوان، ويبشرنا أن الوحش يستعد لنا كى نحاربه، فيقتلنا أو ننتصر، وإن انتصرنا، فسنعبر من شاطر وعياط وبديع الإخوان إلى الجيش من جديد، ونبدأ نفس الدائرة مرة أخرى».

كتب علينا أن نحمل حلمنا – ثورتنا، صليبا فوق ظهورنا، ونمشى بها راضين، مبتسمين، هازئين من بعض أعدائنا، طالبين الرحمة للبعض الآخر، إلى أن يغرس حلمنا فى الأرض، وتصبح جذور عقيدة الثورة داخل كل نفس، حينها يمكن لنا أن نرتاح إلى حلمنا، وننتظر خلاصنا.

«نكتب غضبا، تكتب حزنا، نكتب ما تخطه أيدينا، لكن ما بداخلنا كان وسيظل، الحلم، وإن تغيرت انعكاساته من خارجنا، وإن حاول من حاول أن يزعزع إيماننا به، لكننا نعلم أن إيماننا كان حقا، وأن ثورتنا حق، وأن وعد نصرتنا حق، وإن تأخر، وإن حاول الجمع أن يهبط بنا إلى الدرك الأسفل من الحيرة، لكننا نعلم أن يومنا آت، وأن نصرنا آت، وأن الغد آت، بقمح وعسل جنتنا، لكننا بشر، نغضب أحيانا، نبتئس كثيرا، لكن يبقى ما بداخلنا ثابت لا يتغير».

كتب علينا أن نشاهد حلمنا، يلوثه بديع وشاطر واستبن، ومن ورائهم عريان وبلتاجى ومن على شاكلتهم، ونحارب، ويسقط منا من يسقط، ويستمر من يستمر، إلى أن ننتصر، وحينها سيظهر لنا لابس الميرى مرة أخرى ولاعقى البيادة، وستدور علينا – بنا نفس الدوائر مرة أخرى.

كتب علينا، كما كتب على من ثاروا من قبلنا، أن يموت منا المخلصون، ليحيا من بعدهم بعض من المنافقين، الانتهازيين، والكثير من المكتئبين – المرتدين، والقليل من المتمسكين بما تبقى من إيمانهم، ليثبتوا به أنفسهم ومن يأتى بعدهم.

كتب علينا أن نساق إلى نهايتنا مبتسمين، وإن فارقتنا الابتسامة، نحاول سرقتها من داخلنا، نحاول بكل ما أوتينا أن نعتصر بقايا أمل داخلنا، لنستند إليها فى السير على طريق لا ينتهى، وإن انتهينا، سيأتى بعدنا من هم أشد منا إيمانا، ويستمرون على نفس الطريق، إلى أن يعلوا أذان الثورة فى كل مكان.

لا دين بدون مؤمنين، ولا ثورة بدون حالمين بها، عالمين أن إيمانهم بها هو الباقى، وإن كل ما عاداه فانٍ.

راضين بما قدمت أيدينا، صابرين على عطش أرواحنا، واعدين أنفسنا باقتراب لحظة الفصل، لحظة الانتصار، عالمين أن كل انتصار سيأتى بعده قتال جديد، لممسوخى هذا العصر، فنرفع على أسنة الحلم، بقايا كراهيتهم، وظلمهم، معلنين أن «خلف كل قيصر يموت، قيصر جديد» يحاول أن يضرب بيد من حديد على أرواحنا، فتتبدل هيئاتنا، ونعود له، بأرواح جديدة، تحارب، فتنتصر أو تستشهد، فى سبيل إيماننا…

سلام على بورسعيد، وشوارعها، سلام على أهلها، سلام إلى عاص، وشرارات احتكاك الرصاص على الأسفلت تعبر من تحت قدميه كما حكى.

سلام على بورسعيد، بنيت بدمائنا، واستمرت بدماء أبنائها، وستنتصر بإيمانهم.

سلام على المنصورة، التى يدير القتل فيها أحد أبنائها، الذى لم يراع إلًّا ولا ذمة، وأطلق كلاب داخليته، مع كلاب ميليشياته فى الشوارع، لتنهش فى الجميع، تصيب من تصيب وتقتل من تقتل.

سلام على المنصورة، كما أسرت لويسا بالأمس، ستأسر شاطرا بالغد..

نعلم أبناءنا أن لا ينحنوا أبدا لأى قيصر، سيحكمنا باسم دين ما شكل مفرداته على هواه، أو يحكمنا باسم ردائه المرصع بنجوم حروب لم يخُضها الناصع سواده أمام أعين الجميع..

نترك لمن يأتى بعدنا أننا لم ننحنِ، وإن انزوى منا من انزوى، وإن خان من غيرنا من خان، لكن أرواحنا ستظل هنا، ترفع راية ديننا – ثورتنا، وإن تغيرت ملامح وجوهنا، وإن اختلفت مفردات كلماتنا.

سلام على المحلة، التى لم تركع يوما لأحد، وما استسلمت لحكم أى جائر، وعند تعاظم الرعب، احرقوا اللون الأبيض من نسيجهم، وأعلنوا أن الموت أحب إليهم من الاستسلام – الانحناء، فكانوا الأولين دائما، السابقين أبدا، المستمرين على الطريق من قبل حتى أن ترسم ملامح ذلك الطريق.

سلام على كل من صبر، وجالد نفسه قبل أن يجالد عدوه، سلام على كل من انتصر على خوفه الشخصى، ولم يرضخ، ولم يساوم، ولم يرضَ بالتفاوض، أو بالبين بين، ووقف وحده، وإن عاداه الجمع، واتهمه من اتهمه بالجنون، أو التطرف، أو الغباء.

للثورة مؤمنوها، ونساكها، عبادها، ومتطرفوها، للثورة حملة أكفانهم على أيديهم، حين اشتداد الوغى، تجدهم أول الشهداء، وأول المبشرين وأول الصامدين الصابرين..

سلام على الشافعى والجندى، وكل من خرج ليرفع علم حلمه – ثورته، وعاد إلى أحضان أمه ملفوفا بعلمه، مغادرا جسده، ليصبح علما، لا ينسى اسمه أبد الدهر.

للثورة رجال، كما أخرجت الثورة من السجون ديدانا، تعاظمت وتضخمت حتى أصبحت مسوخا تحكمنا، مرة بكلام الرب، ومرة بالكرسى.

لكن كما غناها ابن عروس من قبل:

«ولا بد من يوم معلوم، تترد فيه المظالم، أبيض على كل مظلوم، أسود على كل ظالم».

عندها سيفرح المؤمنون، وستفتح أبواب السماء بأمطار تطفئ لهيب الخوف من داخلنا، وتبشرنا أن أتممنا العهد، وقبلنا الموت، فانصرف عنا، وإن إكليل الحياة وضع على جباهنا، وانسحبت من شوارعنا كل خيالات الموت

المصدر: التحرير

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *