في سنوية الليمون

 في سنوية الليمون2ـ ليس أكثر إرهاقا للإعصاب في هذه الفترة الخنيقة التي تمر بها البلاد من عدم إنشغال بعض المحيطين بك بتأمل الصواب والخطأ فيما جرى لمصر من أجل إختيارات أفضل في قادم الأيام، بقدر إنشغالهم بإثبات أنهم كانوا على حق عندما إتخذوا هذا القرار أو ذاك، حتى لو كان القرار الذي يفتخرون به غير مؤثر على الإطلاق في سير الاحداث.

 

للساخرة الأمريكية السوداء واندا ساكس تعبير جميل قالته عقب إنتخاب باراك أوباما لأول مرة «أنا فخورة بإنتخاب أول رئيس أمريكي أسود إلا لو فشل طبعا، في حالة فشله سأكون أول من يقول من الغبي الذي انتخب رئيسا نصفه أبيض».

 

لعبة اللوم السياسي التي نمارسها بحق بعضنا موجودة حتى «في أوروبا والدول المتقدمة»، لكن ليس بنفس الجدية، لأن الدول المتقدمة لا تصبح كذلك إلا عندما تطبق ما يُسمّى «التوصيف الوظيفي»، والذي أظن أن غيابه عن حياتنا يتحمل مسئولية نسبة كبيرة من الهري النابع من عدم معرفة الكثيرين منا بالتوصيف الوظيفي للمهن التي يمارسونها والمهن التي ينتقدون أصحابها.

 

لذلك ولذلك كله عندما يسألني أحد عما إذا كنت نادما لأن دعمي العلني لمرسي في مواجهة شفيق كان سببا في أن يختاره الكثيرون، أجيب بما أجبت به بالأمس وفي مقالة سابقة نشرت بتاريخ 1 يناير بعنوان (المجد لعاصري الليمون)، ثم أقول أن التوصيف الوظيفي لمهنة الكاتب كما أعلمه لا تجعل منه قائدا يدعو الناس إلى شيئ، ولا تجعله أيضا رجلا يقول للناس ما يحبون سماعه، بل تعني فقط أن يقول للناس أفكارا عليهم أن يتأملوها أو يرفضوها أو يلعنوها أو يعجبوا بها، هذا شأنهم وإختيارهم، وكل ما عليه أن يواصل أداء وظيفته فقط لاغير.

 

لا أعيش حياتي بمبدأ «شَكَل للبيع» ومع ذلك فلا يسعدني شيئ قدر معاداة البعض لي لظنهم أنني قمت بالتأثير على الملايين لتنتخب فلان أو ترفض علان، وبما أن هؤلاء يحملونني هذه المسئولية، سأتحملها بمنتهى السعادة وأزعم أن ما يظنونه خرابا لمصر سعيت أنا وأمثالي من عاصري الليمون إليه، كان في نهاية المطاف بداية لأن تبني مصر مستقبلا حقيقيا «بس على نضيف».

 

يشهد الله أنني كنت أتمنى أن يصدق مرسي في وعوده الإنتخابية ويكون قد المسئولية التي نالها، لكني أرى أن تجربته الشنيعة ستكون مفيدة لمصر التي كان ولا بد بعد إنتصارها الكبير في معركة الإستبداد السياسي بخلع مبارك، أن تواجه معركتين في غاية الصعوبة والضخامة والإرتباط ببعضهما، الأولى مع تيارات الشعارات الإسلامية والثانية مع منهج التفكير غير العلمي الذي يدير به المصريون حياتهم.

 

وأزعم أن ما حدث طيلة السنة الماضية يشكل إنتصارا مبدئيا في المعركتين، تعلم منه كثير من المصريين الكثير حين أدركوا خواء الشعارات الإسلامية وتهافت رافعيها، صحيح أنه أدى أيضا إلى أن يتخبط الكثيرون ويحلموا بالعودة إلى الوراء، لكن حدوث هذا أمر طبيعي لا أستغربه أبدا، وسينتهي فور خلق بديل سياسي ثوري حضاري يجمع الكثيرين حوله.

 

لكي لا يبدو أنني أقول هذا الآن لأدعي الحكمة بأثر رجعي، سأحيلك إلى محاضرة ألقيتها في مكتبة الإسكندرية بدعوة من فريق «أكشن» الطلابي وكانت في إبريل 2011، ويمكن أن تدخل بنفسك على مقالي في بوابة الشروق الإلكترونية لتراني على هذا الرابط وأنا أقول يومها:

https://www.youtube.com/watch?v=PZbSoGouR2Q&feature=player_embedded 

«شخصيا أتمنى إن أول حكومة مدنية منتخبة يبقى ماسكها الشيخ أبو إسحاق الحويني أو الشيخ محمد حسان أوغيره من التيار السلفي أو عبود الزمر يبقى رئيس الجمهورية القادم، ليه؟ لأني سأخرج هذا التيار من صومعة الأفكار البراقة اللي هو عايش فيها إلى أرض الواقع الملتبس المرتبك اللي هيبقى مطالب منه يواجهه… أنا عايز اللي قاعد يقول للناس الجنة في إيدي وأنا اللي هاحل لكو المشاكل عايزه يمسك رئيس ورئيس وزراء، هيبقى بعد ما يتولى بشهر مطلوب منه إنه يقابل بنيامين نتنياهو.. هو بيقول للناس أول ما أمسك السلطة هالغي المعاهدات وأنصر إخواننا في غزة، هيجي له الجيش يقوله يا حبيبي ما ينفعش مافيش حرب، هيكتشف إن المظاهرة شيئ والقصف شيئ تاني.. هيبدأ نفسه يقول للناس لا بد أن نعمر مصر الأول وتحرير القدس يبدأ بتعمير مصر وسنكتفي بأن نلغي التطبيع.. اللي هو نفس الكلام اللي إحنا بنقوله.. أهلا بيك تعال.. هنمنع الخمور في المحلات السياحية والفنادق.. تمام يالله هيخش الشيخ فلان الفلاني وزير السياحة يضرب القرار الناس هتسقف وممكن يبقى إسمها وزارة السياحة في الأرض».

 

«بعد شهر لاحظنا إن الـ 12 مليار دولار اللي كانوا بيجوا لنا من السياحة بقوا تلاتة.. من أين يا أخي هندبر التسعة مليار العجز.. بصراحة لو نجح التيار الإسلامي في إنه يجعل مصر تستغنى عن السياحة كمصدر دخل أنا أول واحد أضرب لهم تعظيم سلام، لإني مش عايز بلدي تعيش على مورد بغزالة ممكن يتأثر لفرقعة بمبة، إذا نجح أي تيار في إنه يجعل مصر بلد صناعي زراعي منتج كفء زي أي مكان محترم في الدنيا أنا إيه مشكلتي، أنا ما يهمني مصلحة الأغلبية العظمى من الناس…عندما يوضع التيار الإسلامي بدرجاته قدام إختبار الواقع سيكون عليه إما أن يحل هذه الإلتباسات أو أن يرحل في الإنتخابات القادمة، وسيجبر كما أجبر إخوة له من قبل على إنهم يتعلموا إنهم يتكلموا عن الواقع بشكل تفصيلي مش إنه يقول لي مبادئ كبيرة ويحاول إنه يحشرها في الواقع، فده هيبقى درس مستفاد لمصر. ييجي واحد يقولي إيه الضمان إنهم لما يمسكوا الحكم مش هيركبوا السلطة للأبد،…إزاي بعد ما شفت إن صوتك وجسمك ووجودك في الحياة بيغير، تقولي إيه الضمان، الضمان حضرتك الضمان إنت ضد أي حد يقهرك حتى لو شايل مصحف».

 

لكن هل صدور الناس العارية تصلح حقا لأن تكون ضمانا ضد القهر يجبر الإخوان على الرحيل كما أجبر مبارك على الرحيل، هذا ما نتحدث عنه غدا بإذن الله

belalfadl@hotmail.com

المصدر: الشروق

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *