جمال عيد يكتب: سقط الجزء الظاهر من الجسد
أصر البعض على أن الفساد لن يدوم، وأن القمع لن يوقف المطالبين بالديمقراطية، وأن كل إعلام أنس الفقى لن يخفى جرائم بارونات الحزب الوطنى. كان لصوت خافت فى مظاهرة تضم العشرات تأثير أشد من قنوات ماسبيرو وفضائياتها، كانت صورة خالد سعيد أوضح من فوتوشوب أهرام أسامة سرايا وأغلفة روزاليوسف عبدالله كمال، كان صدى الدعوة للخروج فى 25 يناير والاستجابة لها أقوى من تحذيرات خبراء «مصر مش تونس». لكننا لم نتصور أن أوان إسقاط الطاغية قد حان، وأن الثورة تنتظر متأهبة ومتلهفة.
لم يكن أكثر من نظام كرتونى هش، مذعور كفأر، جبان كأرنب، فلم يصمد أكثر من 18 يوما، وسقط! وكان لابد أن يسقط. كنا نظنه نظاما يحتوى بعض المؤمنين به وليس السماسرة الذين سوف يختبئون ويفرون كفئران تهرب من سفينة غارقة.
كنا نظن هذا النظام كجدار أكثر صلابة رغم الشروخ التى ملأته طولا وعرضا والثقوب التى نخرت فيه، والعفن الذى زكم الأنوف.
سقط الجدار سريعا، قبل أن نعد المواد والأدوات لبناء جدار حقيقى وصلب يستظل به كل المصريين.
لكن، سقط الجزء الظاهر من الجدار ولم يسقط أساسه، لم يسقط كل الجدار. كنا بالميادين وكانوا هم يخططون وينتظرون الكفة الأرجح ليصطفوا بجانبها!
هم، من شاركوا متأخرا وأعدوا العدة للرحيل مبكرا حين يتمكنون من زرع أنفسهم بين الثوار.
هم، من راحوا يقدمون قدما ويؤخرون الأخرى، فحاولوا فتح الثغرة لبلطجية موقعة الجمل، وحاكموا الفقراء والشباب عسكريا، ثم قاموا بتأدية التحية لشهداء لم يبذلوا جهدا فى الدفاع عنهم.
هم، من كانوا يفبركون القضايا ضد الشباب والمطالبين بالديمقراطية طيلة عصر مبارك، وتصورنا أنهم سوف يحاكمونه ويحكمون بالعدل.
كسرنا الخوف، وأذهلنا العالم، واستعدنا شعور الانتماء لهذا الوطن، لكننا لم ننتبه لمن ترك بعض أعوانه فى الميدان وذهب للتفاوض مع وزير مبارك! تركنا الميدان فى 11 فبراير قبل أن يرحل طنطاوى مع رئيسه، كان الوزير الوحيد الذى بقى من وزارته !! لماذا لم يرحل وزير مبارك مع مبارك؟ لماذا صدقناهم حين عاثوا قمعا ضد شباب الثورة قبل أن ينتهى فبراير، وحين سحلوهم فى مارس، وقاموا بكشف العذرية ضد فتيات مصر؟
لم نستمع لأصوات الشباب الذين حذروا من أصحاب اللحى الإخوانية وتفاوضهم العلنى والسرى مع بواقى نظام مبارك، ليحلوا محله.
اكتفينا ببعض المظاهرات ضد النائب العام، ولم نصر على إصلاح القضاء وتعيين نائب عام يحاكم مبارك ويستعيد أموال المصريين التى نهبها مبارك وبارونات الحزب الوطنى. تكبدنا دماء كثيرة عن كل خطأ كان نتيجة استمرار حكم «هم» ورثة مبارك فى الحكم، وصدقنا أكذوبة الطرف الثالث الذى كان يحصد الأرواح.
تكبدنا دماء نتيجة تواطؤ «هم» من وصلوا متأخرين ورحلوا مبكرين وداسوا فى طريقهم لكرسى البرلمان والرئاسة والشورى على كل مطالب الثورة وشعاراتها. تكبدنا دماء كثيرة، نتيجة لعدالة «هم» الذين تأخروا كثيرا على محاكمة مبارك حتى رتب أوضاعه ودارت أمواله المنهوبة، وأفرجوا عن قتلة الشباب ليفبركوا أدلة براءتهم. لكننا دفعنا الثمن باهظا، سواء للتعلم من هذه الأخطاء، أو ثمنا لحرية نستحقها.
لم تنته الثورة، ولن تنتهى سوى بتحقيق مطالبها.
ثورة المصريين بدأت فى يناير 2011، كسرت الخوف والخطوط الحمراء وكشفت حقيقة ورثة مبارك وانتهازية المتأسلمين.
أن نطلب المزيد، فهذا مشروع وهذا حقنا، فقد دفعنا الثمن.
أن نخطئ ونصيب فهذا أفضل من أن نكمن وننسحب.
أن نطالب بحكم مدنى ديمقراطى، لا عسكرى ولا دينى، فهذا منوط بنا، وباستعادة روح يناير وتجاوز أخطاء فبراير.
* مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان