مذكرة بالدفوع الدستورية لمركز هشام مبارك للقانون في قضية أحداث المحلة
مذكرة فى الجناية رقم 5498 جنايات قسم ثان المحلة
والمقيدة برقم 670 لسنة 2008 جنايات أمن دولة طوارئ قسم ثان المحلة
والمقيدة برقم 482 لسنة 2008 كلى شرق طنطا
والمقيدة برقم 89 لسنة 2008 كلى شرق طنطا طوارئ
المنظورة بجلسة 11 /11/ 2008
نخصص هذه المذكرة
للدفوع الدستورية
السيد الرئيس … حضرات المستشارين
لا اجد بداية لمرافعتى خيرا من حكم محكمة النقض المصرية الذى اعلى الحرية فى مواجهة التعسف
“لا يضير العدالة إفلات مجرم من العقاب، بقدر ما يضيرها الافتئات على حريات الناس، والقبض عليهم بدون حق”
وهو المبدأ الذى صار نبراسا يدلنا على جادة الطريق لتحقيق العدل والحق
وما احوج لقضيتنا الماثلة لمثل هذا المبدأ
والآن تقترب لحظات الحسم
والآن الجميع ينتظر حكمكم العادل
العدالة تستصرخكم إلا تطعن بإدانة برئ
إلا تهدر قيمة العدالة التى لا تتوافر بدون محكمة عادلة ومنصفة
وقضاة مستقلون لا يخشون فى قولة الحق لومه لائم
صحيح عرف تاريخ البشرية محاكم مسخرة لخدمة الطغاة
كما عرف قضاة فى خدمة الطغاة
إلا أن تاريخ البشرية أيضا قد عرف محاكم تواجه الطغاة نصرة للحق والعدل
كما عرف قضاة فى مواجهة الطغاة
ومصرنا ليست بعيدة عن تاريخ الانسانية هذا
فها هو العالم ينحى اجلالا واحتراما وانبهارا بقضاة مصر فى سعيهم الدؤوب لاستكمال مقومات استقلالهم
وتتوالى مئات الأحكام العظيمة من قضاة مصر لتشكل حبات عقد من اللؤلؤ يزين تمثال العدالة المصرى
وينتظر هذا العقد المزيد من كبار حبات اللؤلؤ التى يعدها قضاة ماهرون فى القانون والعدل والحق
سيدى الرئيس …. السادة المستشارين
نحن أمام محكمة أمن دولة طوارئ
حدد اختصاصها بقرارات إدارية يصدرها الحاكم العسكرى بموجب صلاحياته وفقا لقانون الطوارئ
كما حدد تشكيلها بموجب قرارات ادارية
وحددت الاجراءات الجنائية امامها بقرارات ادارية
وأمر الإحالة فى هذه الدعوى صدر مستندا على أمر الحاكم العسكرى رقم 1 لسنة 1981
واذا كانت مصر تأمل ان يزاح عن كاهلها نير الطوارئ الذى ورثه المستبد المحلى من المستبد المحتل (المندوب السامى البريطانى) فان مصر تعلق كبير امالها على نضال قضاة مصر فى مواجهة طغاة مصر ليتحقق الاستقلال الكامل للقضاء ليس بوصفه مطلبا مهنيا أو فئويا وإنما بوصفه مطلبا يأتى على رأس مطالب المجتمع كله كبوابة رئيسية لتحقيق مستقبل جدير بتاريخ وتضحيات وطاقات وقدرات الشعب المصرى
ولا مشاحة بانه لا استقلال كامل للقضاة طالما استمرت السلطة التنفيذية تتحكم فيهم بمحض قرارات ادارية فى ظل حالة الطوارئ التى ادمنها حكام مصر
وها هم يعدون عدتهم الان لتغليف ادمانهم القديم بغلاف جديد اسمه قانون محاربة الارهاب من خلال المزيد من اخصاء الدستور المصرى بتعديلات شوهاء سيدفع ثمنها المجتمع كله
الم يحن الحين لفتح ثغرة فى حائط الاستبداد ينفذ منها ضوء المستقبل
ومن اقدر واجدر من قضاة مصر لهذه المهمة
يخطئ من يظن أن إعلان حالة الطوارئ يجيز التحلل من أحكام الدستور المصرى الحالى قبل تعديله. حيث نظم الدستور الحالى نظام الطوارئ فى المادة 148: “يعلن رئيس الجمهورية حالة الطوارئ على الوجه المبين فى القانون ويجب عرض هذا الإعلان على مجلس الشعب خلال الخمسة عشر يوماً التالية ليقرر ما يراه بشأنه.
وإذا كان مجلس الشعب منحلاً يعرض الأمر على المجلس الجديد فى أول اجتماع له. وفى جميع الأحوال يكون إعلان حالة الطوارئ لمدة محدودة ولا يجوز مدها إلا بموافقة مجلس الشعب.”
أنه لا وجه للاستناد إلى ما كان يجيزه دستور سنة 1923 ودستور سنة 1930 فى المادتين 155، 144 منهما من جواز تعطيل حكم من أحكام الدستور وقتياً فى زمن الحرب أو أثناء قيام الأحكام العرفية للقول بجواز إسقاط حكم من أحكام الدستور فى فترة قيام حالة الطوارئ، ذلك أن إغفال الدساتير المصرية الصادرة منذ دستور سنة 1956 حكم هاتين المادتين – وقد كانت تحت نظر واضعى هذه الدساتير – يدل على أنهم نبذوا هذا الحكم ولم يجيزوا إسقاط أى حكم من أحكام الدستور حتى فى حالة قيام حالة الطوارئ وذلك تأكيداً لمبدأ سيادة الدستور واحترام أحكامه فى الظروف العادية والاستثنائية على السواء.
سيدي الرئيس … حضرات المستشارين
تأسيساً على ما تقدم نخصص هذا الجزء للدفوع الدستورية العامة والمتمثلة فى:
أولاً: عدم دستورية إنشاء محاكم أمن الدولة “طوارئ وفقا للمواد 7، 8، 9، 10، 12، 13 من قانون الطوارئ لتعارضها مع المواد 40، 41، 65، 66، 73، 137، 151، 152، 165، 166، 167، 195 من الدستور
1- تعيين رئيس الجمهورية لقضاة المحكمة فى حد ذاته يهدر مبدأ استقلال القضاء، وامكانية تعيين غير القضاة فى تشكيل المحكمة يهدر مبدأ القضاء الطبيعى (م 7):
ويعد من ناحية ثانية إخلالاً بمبدأ القضاء الطبيعى، حيث اتاح امكانية إدخال عنصر غير قضائى (ضباط القوات المسلحة) فى تشكيلها. ولم يشترط الشارع فى هؤلاء الضباط أن يكون لهم ثقافة قانونية وبدون هذا التكوين المهنى فلن يتحقق الاستقلال القضائى على الوجه الصحيح لأن القاضى الذى لا يعرف حدود وظيفته ومناط قضائه قد لا يتمكن من مواجهة أى تدخل فى شئونه، بل قد لا يدرك خطر هذا التدخل عند حدوثه. ولهذا قرر مؤتمر رجال القانون- المنعقد فى لاجوس سنة 1962 – أن منح الاختصاص القضائى لأشخاص محرومين من التكوين والخبرة القانونية لا يوفر الضمانات التى يحتمها مبدأ سيادة القانون.
ويمثل مخالفة هذا القانون لمبدأ الطابع الإلزامي لقواعد الاختصاص القضائى “فى الترخيص لرئيس الجمهورية أن يغير من اختصاص محاكم أمن الدولة العليا وفقاً للمادة الطعينة، أو أن يحيل إلى محاكم أمن الدولة “طوارئ” الجرائم التى يعاقب عليها القانون العام (م 9 طوارئ) بالإضافة إلى ما ينطوى عليه ذلك من حرمان المتهم من قاضيه الطبيعى وإخضاعه لاختصاص قضاء لم يكن مختصاً وقت ارتكاب جريمته.
2- أنه لا يجوز لأية سلطة أن تنتزع الدعوى من قاضيها الطبيعى إلى محكمة أخرى.
حيث يخل ذلك بمبدأ الفصل بين السلطات حين خول رئيس الجمهورية اختصاصات قضائية متعددة مخالفاً بذلك نصوص الدستور التى لم تخول رئيس الجمهورية أى اختصاص قضائى (المادة 73، 137، 152) وخالف نصوصه التى حصرت السلطة القضائية فى المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها” (المادة 165 من الدستور) وأهدر المادة 166 التى نصت على أن “القضاة مستقلون، لا سلطان عليهم فى قضائهم لغير القانون، ولا يجوز لأية سلطة التدخل فى القضايا وفى شئون العدالة”.
1- حفظ الدعوى قبل تقديمها إلى المحكمة (م 13/1 طوارئ) وهو ما يعنى الأمر بأن لا وجه لإقامة الدعوى، حيث الفرض فى هذه الحالة – أنه قد أجرى تحقيقا فيها وهذا الأمر ذو طابع قضائى باعتباره التصرف فى التحقيق الذى هو بطبيعته عمل قضائى.
2- الأمر بالإفراج المؤقت عن المتهمين المقبوض عليهم، قبل إحالة الدعوى إلى محكمة أمن الدولة (م 13/2 طوارئ) وهو أمر بطبيعته ذو “طابع قضائى”.
ومن حيث إهداره لاستقلال القضاء – الذى قررته م 166 من الدستور فيظهر هذا من تخويل رئيس الجمهورية اختصاصاً قضائياً يعلو به القضاء ويتيح له أن ينقض عليه فأحكام محاكم أمن الدولة (طوارئ) لا تكون نهائية إلا بعد التصديق عليها من رئيس الجمهورية (م 12 طوارئ).
4– تنظيم أوضاع تمس بالحرية الشخصية بأداة أدنى من القانون يتعارض مع الدستور:
تولت المادة العاشرة من قانون الطوارئ رقم 162 لسنة 1958 بيان إجراءات وقواعد تحقيق القضايا التى تدخل فى اختصاص محاكم أمن الدولة “طوارئ” وذلك فى قولها أنه “فيما عدا ما هو منصوص عليه من إجراءات وقواعد فى المواد التالية أو فى الأوامر التى يصدرها رئيس الجمهورية تطبق أحكام القوانين المعمول بها على تحقيق القضايا التى تختص بالفصل فيها محاكم أمن الدولة وإجراءات نظرها والحكم فيها وتنفيذ العقوبات المقضى بها ويكون للنيابة العامة عند التحقيق كافة السلطات المخولة لها ولقاضى التحقيق ولغرفة الاتهام (قاضى الإحالة) بمقتضى هذه القوانين.”
ولا شك أن المادة العاشرة من قانون الطوارئ تكاد تحرم المتهم من كافة الضمانات المقررة فى قانون الإجراءات الجنائية فى مرحلة التحقيق الابتدائى حيث ركزت كل الاختصاصات المخولة لجهة تحقيق تعتبر أعلى فى الضمان من جهة النيابة العامة فى يد هذه الجهة أى النيابة العامة مما كان له أسوأ الأثر فى انحسار الضمانات التى قررها الدستور والقانون للمتهم فى مرحلة التحقيق الابتدائى ومن ثم إهدار حريته الشخصية وحقوق الفردية، وهو ما زال بريئاً لم تثبت إدانته بعد بحكم نهائى فى محاكمة قانونية تكفل له ضمانات الدفاع عن نفسه طبقاً للمادة 66 من الدستور.
5- أوجه العوار الدستورى فى حرمان المتهم من الطعن على احكام محاكم الطوارئ (م 12 طوارئ):
نصت المادة 12 من قانون الطوارئ على أنه “لا يجوز الطعن بأى وجه من الوجوه فى الأحكام الصادرة من محاكم أمن الدولة، ولا تكون هذه الأحكام نهائية إلا بعد التصديق عليها من رئيس الجمهورية…”
إلا أن رئيس الجمهورية لا يراجع الأحكام التى تصدرها محاكم أمن الدولة “طوارئ” ولا يقرها أو يرفضها بنفسه بل بواسطة المفوض عنه ومعاونيه من القضاة وقد يكون هؤلاء القضاة أقل درجة من القضاة الذين أصدروا الأحكام ولنأخذ مثالاً لذلك؛ الأحكام الصادرة من محاكم أمن الدولة العليا “طوارئ” فهى تعد فى منزلة الأحكام التى تصدرها محاكم الجنايات وبالتالى فهى مشكلة من مستشارين بل قد يكون رئيسها بدرجة “رئيس استئناف” قد يراجعها قضاة بدرجة “رئيس محكمة” التى تعتبر دون درجة “المستشار” وفقاً لقانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة 1972 والقوانين المعدلة له على النحو الذى يكون من شأنه الإخلال الجسيم بحسن سير العدالة الجنائية حيث نصت المادة 16 من قانون الطوارئ على أنه “يندب رئيس الجمهورية بقرار منه أحد مستشارى محكمة الاستئناف أو أحد المحامين العامين على أن يعاونه عدد كاف من القضاة والموظفين وتكون مهمته التثبت من صحة الإجراءات وفحص تظلمات ذوى الشأن وإبداء الرأى ويودع المستشار أو المحامى العام فى كل جناية مذكرة مسببة برأيه ترفع إلى رئيس الجمهورية قبل التصديق على الحكم وفى أحوال الاستعجال يجوز للمستشار أو المحامى العام الاقتصار على تسجيل رأيه كتابة على هامش الحكم “.
وتتضح طبيعتها الاستثنائية مما قرره قانون الطوارئ بعدم جواز الطعن – بأى وجه من الوجوه – فى الأحكام الصادرة منها (م 12 طوارئ) مما يعنى عدم خضوعها لرقابة محكمة النقض، الأمر الذى يخل “بوحدة القضاء الجنائى المصرى”، ويحرم الخاضعين له من الضمانات التى ترتبط بما تقرره محكمة النقض من ضوابط للتطبيق القضائى والتى من شأنها كفالة المساواة بين المواطنين أمام القضاء.
يستهدف الطعن بالنقض توحيد تفسير وتطبيق القانون، وجميع المحكوم ضدهم يكونون فى مركز قانونى واحد بالنسبة لموضوع توحيد تفسير وتطبيق القانون، بغض النظر عن الاختلاف فى النظم القانونية التى تشكل المحاكم المختلفة ما بين محاكم عادية أو خاصة أو حتى استثنائية أو عسكرية، ومن ثم يقتضى مبدأ المساواة معاملتهم بخصوص وحدة التفسير والتطبيق والتأويل للنصوص القانونية فتح باب الطعن بالنقض أمامهم جميعا كمبدأ دستورى.
2- عدم دستورية ما تقرره المادة من حظر الطعن على الأحكام الجنائية التى تصدر من محاكم أمن الدولة طوارئ والتى تتضمن مساس بالحرية الشخصية وقد تتضمن مساسا بالحق فى الحياة بما يهدر قرينة البراءة ويخل بحق الدفاع، ويشكل قضاءًا مبتسرًا:
وفى الواقع أن إنشاء محاكم استثنائية ليس نتيجة حتمية لتطبيق قوانين الأزمات ففى غير قليل من الدول لا محل لمثل هذه المحاكم حيث تنظر المحاكم العادية المنازعات التى تثور بصدد تطبيق قوانين الأزمات، مثل إنجلترا والولايات المتحدة الأمريكية.
وهناك من التشريعات ما حظرت إنشاء محاكم استثنائية سواء فى الظروف العادية أو فى غيرها وأوضح مثل على ذلك الدستور الإيطالي الصادر عام 1947 حيث نص فى المادة 102 منه على أنه يباشر الوظيفة القضائية قضاه عاديين يختارون وفقاً للوائح التنظيم التى تنظم نشاطها ولا يجوز أن يعين قضاه استثنائيين وقضاة خاصين…”
وقد أكدت الوثائق العالمية والمحلية على ضرورة حظر إنشاء مثل هذه المحاكم فوفقاً للمادة السادسة من الإعلان العالمى لاستقلال القضاء الصادر فى “مونتريال” فى إطار منظمة الأمم المتحدة “لا تنشأ أية محكمة استثنائية ”
وأوصى مؤتمر العدالة الأول المنعقد بالقاهرة فى 1986 بإلغاء المحاكم الاستثنائية ومنها محاكم “أمن الدولة” المنشأة وفقا لقانون الطوارئ رقم 162 لسنة 58.
لا تعتبر محاكم أمن الدولة التى تستند فى وجودها إلى قانون الطوارئ رقم 162 لسنة 1958 محاكم عادية ذات ولاية خاصة كمحاكم أمن الدولة الدائمة المنشأة طبقاً للقانون رقم 105 لسنة 1980، وإنما هى فى حقيقتها محاكم استثنائية موقوتة بحالة الطوارئ كما أسلفنا، ومن ثم فإن ولايتها تنحصر فى الجرائم التى تختص بنظرها دون غيرها، وفى فترة سريان قانون الطوارئ فقط، فلا ولاية قضائية لها حتى بالنسبة إلى تلك الجرائم متى انتهت حالة الطوارئ، وكل حكم يصدر خلافاً لحدود هذه الولاية يعتبر منعدماً قانوناً مع مراعاة التحفظ الوارد فى نص المادة 19 من قانون الطوارئ، وبالتالى فهى لا تنتمى إلى القضاء الجنائى العام حيث يتخلف فيها عنصر الدوام والاستمرار – إحدى المقومات الأساسية للقضاء العادى – إذ تبقى ما بقيت حالة الطوارئ وتنتهى بانتهائها أو على وجه الدقة أن وجودها واستمرارها مرهون بفترة معينة وهى قيام حالة الطوارئ التى تفترض ظروفاً استثنائيةً يمر بها الوطن واستمرار نفاذها فولايتها القضائية تكن موقوتة بهذه المرحلة، وبالتالى فهى محكمة استثنائية، بحيث إذا زالت هذه الحالة انحسر اختصاص هذه المحاكم بقوة القانون عن جرائم القانون العام لكى تعود إلى قاضيها الطبيعى كما أن أحكامها لا تقبل الطعن بأى وجه من الوجوه بل تصبح نهائية بعد التصديق عليها من رئيس الجمهورية وعلى وجه الخصوص فهى غير خاضعة لرقابة محكمة النقض، مما لا يتاح لها أن تلزمها بالضوابط والاتجاهات العامة للقضاء، وأن تفرض عليها الالتزام بالمبادئ الأساسية للعمل القضائى.
أن التنظيم الإجرائى للمحاكم الاستثنائية مختلف عن المحاكم العادية والخاصة، ويتمثل هذا الاختلاف فى اتجاه هذا التنظيم نحو الانتقاص من الضمانات الممنوحة للمتهم، حيث يسلبه حقه فى الطعن على أحكامها، وتملك النيابة سلطات أوسع نطاقاً عما تملكه فى الظروف العادية، وتلعب السلطة التنفيذية دوراً بارزاً فى التصديق على الأحكام وفى الإحالة وفى تشكيل المحاكم، وفى توزيع الاختصاص.
وهكذا يبين لنا بجلاء أنه يجوز لرئيس الجمهورية أو لمن يقوم مقامه أثناء إعلان حالة الطوارئ فى البلاد أن يحيل إلى محاكم أمن الدولة ما يراه هو من جرائم القانون العام كيفما شاء، دون الالتزام بأى معايير موضوعية مجردة فى القانون وسوء أكانت جنايات أم جنح أم مخالفات، وسواء أكانت منصوصاً عليها فى قانون العقوبات أم فى أى قانون أخر ودون ما بيان لعله تلك الإحالة وقد تكون لا صلة لها مطلقاً بالسبب الذى من أجله أعلنت حالة الطوارئ مما كان محلاً لاعتراضات كثيرة.
والواقع أن هذا الاختصاص المزدوج بين المحاكم العادية، ومحاكم أمن الدولة “طوارئ” – المتفاوتين فى الضمانات – وجعل مناط الاختصاص فى يد سلطة الاتهام أو الإحالة إنما يتعارض بلا شك مع أصول الشرعية الإجرائية لما سلف من أسباب.
لما كانت النيابة كسلطة اتهام قد قبلت الحكم فحاز قوة الأمر المقضى بالنسبة لها ولم يجز لها الطعن فيه بهذه الصفة فإنها كذلك لا تنتصب عن المتهم فى صورة الدعوى لأنه لا مصلحة له فى أن يحاكم أمام محكمة أمن الدولة المشكلة وفقاً لقانون الطوارئ لأن فى ذلك إساءة إلى مركز المتهم (المطعون ضده) الذى لا يصح أن يضار بالاستئناف المرفوع منه وحده، على ما تنص بذلك المادة 417 من قانون الإجراءات الجنائية ذلك بأن مصلحته تستوجب – فى صورة الدعوى – أن يحاكم أمام المحاكم العادية صاحبة الولاية العامة فى نظر كافة الجرائم والدعاوى إلا ما استثنى بنص خاص. لان الشارع وقد أحاط هذه المحاكم بضمانات متمثلة فى تشكيلها من عناصر قضائية صرف، ومن تعدد درجاتها، ومن الحق في الطعن في أحكامها بطريق النقض متي توافرت شروطه، ولا تتوافر الضمانات تلك فى قضاء الطوارئ؛ فانه لا مراء فى انعدام مصلحة المتهم فى الطعن الماثل، وبالتالى انعدام صفة النيابة العامة فى الانتصاب عنه فى طعنها، وما دامت لم تنع على الحكم قضاءه بالإدانة لصالح المتهم ذاك، ومن ثم فإن طعن النيابة يكون قائماً على مجرد مصلحة نظرية صرف لا يؤبه لها.
يقتضى احترام مبدأ الشرعية الجنائية أن يكون التنظيم القضائى الجنائى واضحاًُ، وأن تكون القواعد التى تحكم الاختصاص محددة سلفاً بواسطة القانون وفقاً لمعايير موضوعية مجردة، بحيث لا تخضع للظروف أو للأهواء السياسية وضماناً لذلك فقد قرر الدستور المصرى لسنة 1971 فى المادة 167 منه على أن القانون هو الذى يحدد الهيئات القضائية واختصاصاتها وينظم طريقة تشكيلها ويبين شروط وإجراءات تعيين أعضائها ونقلهم، إلا أن الشارع المصرى خرج عن هذا المبدأ الهام فى قانون الطوارئ، على النحو الذى مس فيه الحرية الشخصية والحقوق المكتسبة التى أسبغ عليها مبدأ الشرعية الحماية والاحترام، حين لم يحدد اختصاص محاكم أمن الدولة “طوارئ” سلفاً على نحو ثابت غير متغير بجرائم معينة بواسطة القانون وفقاً لمعايير موضوعية مجردة، بل جعل مناط الاختصاص فى يد سلطة الاتهام أو الإحالة إذ نصت المادة التاسعة منه على أنه “يجوز لرئيس الجمهورية أو لمن يقوم مقامه أن يحيل إلى محاكم أمن الدولة الجرائم التى يعاقب عليها القانون العام.”
(ثانيا): الجرائم المنصوص عليها فى المواد من 163 إلى 170 من قانون العقوبات بشأن تعطيل المواصلات. (ألغى هذا البند بأمر رئيس الجمهورية رقم 1/2004 الصادر فى 19 يناير 2004 والمنشور بالجريدة الرسمية العدد 3 مكرر (أ) فى ذات التاريخ)
(ثالثا): الجرائم المنصوص عليها فى القانون رقم 394 لسنة 1958 فى شأن الأسلحة والذخائر والقوانين المعدلة له. (وينطبق هذا البند على قرار الاحالة)
(رابعا): الجرائم المنصوص عليها فى القانون رقم 10 لسنة 1914 بشأن التجمهر وفى القانون رقم 14 لسنة 1923 بشأن الاجتماعات العامة والمظاهرات (وينطبق هذا البند على قرار الاحالة) (وفى القانون رقم 85 لسنة 1949 الخاص بحفظ النظام فى معاهد التعليم وفى القانون رقم 34 لسنة 1972 بشأن حماية الوحدة الوطنية (ألغت المواد 2، 3، 9 من القانون رقم 34 لسنة 1972 بموجب المادة 32 من القانون رقم 40 لسنة 1977، ثم الغي القانون رقم 34 لسنة 1972 برمته بموجب المادة 1 من القانون رقم 194 لسنة 1983)، وفى القانون رقم 2 لسنة 1977 بشأن حماية حرية الوطن والمواطن (ألغت المادة 2 من القانون رقم 2 لسنة 1977 بموجب المادة 32 من القانون رقم 40 لسنة 1977، ثم الغي القرار بقانون رقم 2 لسنة 1977 برمته بموجب المادة 1 من القانون رقم 194 لسنة 1983)، وفى القانون رقم 40 لسنة 1977 بنظام الأحزاب السياسية والقوانين المعدلة له) ألغى ما بين القوسين بأمر رئيس الجمهورية رقم 1/2004
(خامسا): الجرائم المنصوص عليها فى المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 الخاص بشئون التموين والمرسوم بقانون رقم 163 لسنة 1950 الخاص بالتسعير الجبرى وتحديد الأرباح والقرارات المنفذة لهما”. . (ألغى هذا البند بأمر رئيس الجمهورية رقم 1/2004)
والواقع أن هذا الاختصاص المزدوج بين المحاكم العادية، ومحاكم أمن الدولة “طوارئ” – المتفاوتين فى الضمانات – وجعل مناط الاختصاص فى يد سلطة الاتهام أو الإحالة إنما يتعارض بلا شك مع أصول الشرعية الإجرائية لأسباب سالفة الذكر.
ثالثا: الدفع بعدم دستورية انشاء نيابة امن الدولة
تعد نيابة أمن الدولة العليا واحدة من النيابات المتخصصة وقد أنشئت وحدد اختصاصها بمقتضى قرار وزير العدل المنشور بالعدد 22 من الوقائع المصرية والصادر فى 12 مارس 1953 عدل هذا بقرارات وزير العدل اللاحقة مثال:-
– القرار الصادر فى 28/12/64 والمنشور بالعدد 3 من الوقائع والصادر فى 9/1/64.
– القرار رقم 1270/72 باختصاصات نيابة أمن الدولة العليا والصادر فى 13/11/72 والمنشور بالعدد 262 تابع من الوقائع والصادر فى 16/11/72.
– القرار رقم 296/79 بإضافة بعض الاختصاصات إلى نيابة أمن الدولة العليا والصادر فى 25/1/79 والمنشور بالعدد 250 من الوقائع والصادر فى 5/11/79.
كما تختص اختصاصاً وجوبياً بأعمال التحقيق فى هذه الجرائم والتى تقع بدائرة محافظتى القاهرة والجيزة.
ولها اختصاص جوازى بالتحقيق فى هذه الجرائم والتى تقع فى خارج محافظتى القاهرة والجيزة.
– الجرائم التى تقع بواسطة الصحف أو غيرها من طرق النشر إذا كان المجنى عليه موظفاً عاماً أو شخصاً ذا صفة نيابية عامة أو مكلفاً بخدمة عامة.
– الجرائم المنصوص عليها فى المواد 124، 124 أ، 124 ب، 124 ج، 374، 374 مكررا، 375 من قانون العقوبات. وتتضمن جرائم الإضراب عن العمل والتحريض عليه وتحبيذه والاعتداء على حق العمل وحريته والتوقف عنه بالمصالح ذات النفع العام.
– الجنايات التى يصدر بها أو بإحالتها إلى محاكم أمن الدولة العليا أمر من رئيس الجمهورية طبقا لأحكام قانون الطوارئ رقم 162/58.
– الجرائم الواردة فى القانون رقم 10/14 بشأن التجمهر، والقانون 14/23 بشأن الاجتماعات العامة والمظاهرات فى الطرق العمومية، والقانون 85/49 بشأن حفظ النظام فى معاهد التعليم، والقانون رقم 10/77 بشأن الأحزاب السياسية.
– الجرائم المرتبطة بالجرائم المتقدم ذكرها.
أ- موقف المشرع المصرى:
افصح المشرع المصرى صراحة عن اتجاهه للإقرار بالطبيعة القضائية للنيابة العامة، حيث نظم شئون فى قانون السلطة القضائية الصادر بقرار رئيس الجمهورية رقم 46/72. فعالج دور النيابة العامة أمام المحاكم فى الفصل الرابع من الباب الأول من هذا القانون. ثم انعطف وخصص الفصل الأول والثانى من الباب الثالث لمعالجة شئون التعين والترقية والأقدمية والتأديب.
كما جاء فى المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 35/84 بتعديل بعض أحكام قانون السلطة القضائية، إشارات صريحة حول الطبيعة القضائية للنيابة العامة، حيث تضمنت ما نصه:
“ولما كانت النيابة العامة شعبة أصيلة من السلطة القضائية تضطلع بمهام قضائية فى مجال الدعوى الجنائية أو تساهم فى إقرار وإرساء العدالة، لهذا كان من الضرورى إسباغ الحصانة القضائية على رجالها…”
ب- موقف القضاء المصرى:
ب-1)- موقف محكمة النقض المصرية:
ذهبت محكمة النقض فى حكم قديم لها، صدر قبل صدور قانون نظام القضاء لسنة 1949، حيث قضت بان النيابة العامة بحسب القوانين المعمول بها، شعبة أصيلة من شعب السلطة التنفيذية، خصت بمباشرة الدعوى العمومية نيابة عن تلك السلطة، وجعل لها وحدها حق التصرف فيها تحت إشراف وزير العدل ومراقبته الإدارية.
إلا أن محكمة النقض عدلت عن هذا القضاء وقررت فى حكم حديث لها أن النيابة العامة شعبة من شعب السلطة القضائية خول الشارع أعضاءها من بين ما خوله لهم سلطة التحقيق، وهو عمل قضائى.
(نقض 9 يناير 61 – مجموعة الأحكام – س 12 – رقم 7 – ص 58)، والحكمين السابقين مشار إليهما فى ص 206 من الوسيط فى قانون الإجراءات الجنائية، للأستاذ الدكتور/ احمد فتحى سرور – الطبعة الرابعة – 82 – دار النهضة العربية – القاهرة.
أكدت الرأى القائل بان النيابة العامة جزء من الهيئات القضائية، حيث ذهبت إلى أن “النيابة العامة هى على الرأى الراجح شعبة من السلطة القضائية تتولى أعمالاً قضائية أهمها وظيفة التحقيق التى ورثتها عن قاضى التحقيق ثم وظيفة الاتهام أمام المحاكم الجنائية بحيث يتعين تمثيلها فى تشكيل هذه المحاكم وإلا كان قضاؤها باطلاً ومن ثم تكون قراراتها قضائية.”
ج- موقف الفقه المصرى:
والرأى الراجح فى الفقه المصرى؛ على اعتبار النيابة العامة هيئة قضائية على سند من مباشرتها قسطاً من الاختصاص القضائى، كما فى التحقيق الابتدائى والأوامر الجنائية، وفى هذا ذهب الأستاذ الدكتور/ نجيب حسنى إلى :-
“أن عمل النيابة العامة يغلب عليه – من الوجهة الفنية – الطابع القضائى، باعتبار ما تلتزم به من موضوعية ومن استهداف التطبيق الصحيح للقانون. ويؤكد هذا الطابع أن الإعداد الفنى لأعضاء النيابة هو ذات إعداد القضاة مما يترتب عليه صلاحيتهم – من الوجهة الفنية – لتولى مناصب القضاء، ويؤكد هذا الطابع كذلك اعتبار النيابة العامة جزءاً متمماً، ولازماً فى تشكيل القضاء الجنائى، وهذه الاعتبارات فى مجموعها تقود إلى القول بانتماء النيابة العامة إلى السلطة القضائية.”
جرى نص المادة 167 من الدستور على النحو التالى :
“يحدد القانون الهيئات القضائية واختصاصاتها وينظم طريقة تشكيلها ويبين شروط وإجراءات تعيين أعضائها ونقلهم.”
فالنص واضح وصريح ولا غموض أو إبهام فيما يقرره من أن القانون هو الأداة التشريعية الوحيدة المختصة بتحديد الهيئات القضائية وتحديد اختصاصاتها …الخ. فالمشرع الدستورى قد أناط بالقانون وحده مهمة إنشاء الهيئات القضائية وتحديد اختصاصاتها؛ وبذلك لا يجوز لأداة أدنى من القانون أن تتولى تنظيم هذه الأمور، كما لا يجوز للسلطة التشريعية تفويض غيرها فى ممارسة هذا العمل، لأنه محجوزاً بالكامل لها. ولو أراد الدستور أن يمنح السلطة التشريعية الحق فى تفويض غيرها ما أعوزته الحاجة فى اختيار صياغة تتضمن هذه الإمكانية بحيث يستخدم مثلا مصطلح “بناء على قانون” وهذا المسلك هو ما اتبعه المشرع الدستورى فى المادة 66 من الدستور حينما قرر انه لا جريمة أو عقوبة إلا بناء على قانون. وقد استقرت المحكمة الدستورية على تفسير هذا المصطلح بأنه يتضمن إمكانية التفويض.
وحيث أن تنظيم الهيئات القضائية وتحديد اختصاصاتها يعد من القوانين المكملة للدستور والتى تستوجب المادة 195 منه عرضها على مجلس الشورى، وهو ما لم يتحقق بالنسبة لهذه القرارات الوزارية، فإن هذا يسمها بعدم الدستورية من الناحية الإجرائية، على الأقل فيما يختص بالقرارات الصادرة فى ظل دستور 1971.
منحت هذه المادة بعد تعديلها بالقرار بقانون رقم 170/1980 للنيابة العامة إحالة الجنايات إلى محكمة الجنايات مع إلغاء مستشار الإحالة.
وكان قضاء الإحالة ضمانة أساسية فى النظام الجنائى، حرص الدستور المصرى الصادر عام 1971 على تأكيدها، فنص فى المادة 70 على أن “لا تقام الدعوى الجنائية إلا بأمر من جهة قضائية فيما عدا الأحوال التى يحددها القانون”. وتفسير كلمة “الدعوى الجنائية” فى ضوء الأعمال التحضيرية لمشروع الدستور ينصرف فحسب إلى الدعوى العمومية فى الجنايات، كما أن مدلول “الجهة القضائية” لا ينصرف إلى مطلق الهيئة القضائية، بل إلى جهات القضاء بالمعنى الفنى الدقيق. ومن ثم فقد استهدف المشرع الدستورى إضفاء الطابع القضائى على الإحالة ليوفر ضمانات استقلال الإحالة عن التحقيق. وهذا ما حدا برأى فى الفقه المصرى فى تبريره لأهمية وجود قضاء الإحالة فى مواد الجنايات إلى القول بأن “القرار الصادر من رئيس الجمهورية بقانون رقم 170 لسنة 1981 والذى ألغى مرحلة الإحالة فى مواد الجنايات، غير دستورى، فقد صدر قبل أيام من انعقاد مجلس الشعب، وليست له صفة الاستعجال، فضلا عن أن القوانين الجنائية لا يجوز أن تصدر من السلطة التنفيذية لمساسها بالحرية الشخصية”.
تعد هذه المواد متعارضة مع المادة 41 من الدستور التى تحمى الحرية الشخصية والتى تشتد الحاجة إلى كفالتها فى مجال الاتهام الجنائى فكل ما يخل بضمانات المحكمة المنصفة أو حق الدفاع إنما ينطوى بالضرورة على مساس بالحرية الشخصية.
بعد التصديق منذ عام 1981 على الاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية بقرار رئيس الجمهورية رقم 537/81، تلك الاتفاقية التى تكفل مادتها 14/5 لكل متهم حق التقاضى على درجتين، فأصبحت بذلك النصوص الطعينة تتناقض مع المادة 151 من الدستور، والتى تجعل للمعاهدة الدولية قوة القانون، طالما تم التصديق عليها ونشرت فى الجريدة الرسمية، علماً بأن الاتفاقية نشرت فى الجريدة الرسمية بالعدد رقم 14 الصادر فى 8 إبريل 82. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فأن ورود هذا المبدأ فى الاتفاقية الدولية دلالة قاطعة على اعتباره واحد من مقتضيات الديمقراطية.
إنارة طريق العدالة وليس طريق الإدانة
التحقيق الابتدائى بوابة العدالة الجنائية
وعلى ذلك يعد مبدأ الفصل بين سلطتى الاتهام والتحقيق أحد مبادئ الإجراءات الجنائية التى تحقق ضمانات الحرية الفردية، ذلك أن الجمع بين هاتين السلطتين فى يد هيئة واحدة يؤدى إلى استبدادها. فالسلطة المطلقة مفسدة مطلقة، وفى المسألة الجنائية إذا توقف كل شئ على شخص واحد يملك وحده الحق فى الاتهام وجمع الأدلة وتقديرها والفصل فيما ينسب إلى المتهم، فإنه من الواضح أن هذا الشخص يملك الإضرار بالمتهم أو الحكم لصالحه. ومن هنا، فإن مبدأ الفصل بين سلطات القضاء الجنائى هو ضمان لحياد القضاء الجنائى. ص 15 اشرف
عدم جواز رد أعضاء النيابة:
بينما نصت م 163 من قانون المرافعات المدنية على “تتبع القواعد والإجراءات المتقدمة عند رد عضو النيابة إذا كان طرفا منضما..”
خلاصة هامة:
ننتهى من ذلك إلى أن وظيفة الاتهام قد أضفت على النيابة العامة جملة خصائص جعلتها تختلف عن القضاة. فعلى الرغم من اعتبار النيابة العامة جزءا من السلطة القضائية، إلا أنها تخضع لنوع من التبعية الرئاسية لا يخضع له القضاة. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن قاعدة عدم تجزئة النيابة واعتبار أعضائها كما لو كانوا شخصا واحدا، تتناقض كثيرا مع المقرر بالنسبة للقضاة، فهؤلاء يجب عليهم أن يكونوا قد باشروا جميع الإجراءات الخاصة بالمحاكمة وإلا كان الحكم باطلا. فضلا عن عدم قابلية أعضاء النيابة العامة للرد وذلك على خلاف ما هو مقرر للقضاة. اشرف ص 148
طبيعة التحقيق والغاية منه:
الخصم لا يمكن أن يكون محققا عادلا
نفسية القائم بالاتهام لا تصلح للتحقيق، لأنها نفسية “الخصم” فى الدعوى
الحياد يعنى حرية الذهن من كل تعصب وتجرده عن الرأى المسبق المنحاز، وتهيئته لكل حل يرتضيه القانون وتوحى به العدالة
أولا: كفالة حيدة ونزاهة التحقيق
ثانيا: لضمان حقوق وحريات الأفراد
ثالثا: تولى القاضى وظيفة التحقيق ضمانة كبرى للأفراد
رابعا: يعد من مقتضيات الشرعية الإجرائية
حيث أن المحقق يملك أخطر السلطات التى تمس الحقوق الأساسية للفرد فى حريته أو مسكنه أو تنقلاته أو أسراره الخاصة، فإن الحيدة المطلقة أمر ضرورى حتى لا يكون استخدام هذه السلطات عبئا على العدالة لا فى خدمة العدالة. فحياد المحقق عنصر أساسى فى الوصول إلى الحقيقة، إذ ينبغى أن يكون خالى الذهن تماما من أى معلومات مسبقة عن الواقعة موضوع التحقيق، حتى يكون محايدا أثناء سعيه فى البحث عن الحقيقة دون إهدار لحقوق المتهم وحريته.
فإذا أصبح المحقق هو نفسه أحد طرفى الخصومة فسيهدر ذلك مبدأ حياد المحقق واستقلاله عن الخصوم.
الجمع بين الوظيفتين فى يد سلطة واحدة إنما ينطوى على مساس خطير بالحرية الفردية للمتهم. فالنيابة بوصفها جهة اتهام تعتبر خصما فى الدعوى الجنائية، والخصم لا يمكن أن يكون محققا عادلا. فنفسية القائم بالاتهام لا تصلح للتحقيق، لأنها نفسية “الخصم” فى الدعوى، مما يجعل مركز المتهم أمام النيابة العامة، وهو خصمها، مهددا ويضعف من الضمانات القانونية للحريات الفردية.
فالقضاء ميزان العدل والحارس الطبيعى للحريات. وإقامة العدل وحراسة الحريات توجبان أن يتولى القضاء مباشرة التحقيق، لما ينطوى على الكثير من القهر والمساس بتلك الحريات.
وقد يكون لتبعية النيابة لوزير العدل والسلطة التنفيذية بصورة غير مباشرة أثر فى توجيه الاتهام الباطل إلى الخصوم ورجال المعارضة، والتحقيق معهم فى بعض الأحيان، الامر الذى لا يتصور حدوثه مع رجال القضاء المستقلين تمام الاستقلال عن وزير العدل والسلطة التنفيذية.
ص 283 اشرف
يجسد تولى القاضى سلطة التحقيق لمبدأ الشرعية الاجرائية التى تحكم تنظيم الاجراءات التى تتخذ قبل المتهم على نحو يضمن احترام الحرية الشخصية. تلك الشرعية التى تقوم على عناصر ثلاثة هى: أن الاصل فى الانسان البراءة (أصل البراءة)، وتعنى انه لا يجوز تقيد حريته إلا فى إطار من الضمانات الدستورية والقانونية اللازمة لحمايتها، كما لا يجوز للمتهم أن يكلف بإثبات براءته، وأن الشك يفسر لصالحه. هذا عن العنصر الاول، أما الثانى، فيتمثل فى أن القانون هو مصدر الإجراءات الجنائية. والعنصر الأخير أن تباشر هذه الاجراءات تحت إشراف القضاء باعتباره الحارس الطبيعى للحريات. وتخويل النيابة العامة سلطة التحقيق الابتدائى إخلال بهذا الركن الاخير وتجريد المتهم من الحماية القضائية لحريته. ص 277-279 اشرف
المواد الطعينة جميعها تتعارض مع مبدأ خضوع الدولة للقانون المقرر دستورياً بالمادة 65 من الدستور:
استقر قضاء المحكمة الدستورية العليا فى هذا الشأن على أن:
النصوص الطعينة تخل بمبدأ ضرورة التزام الدولة بالحد الأدنى المقبول فى الدول الديمقراطية عند تصديها لتنظيم الحقوق والحريات الأساسية:
“وحيث أن الدستور ينص فى مادته الأولى على أن جمهورية مصر العربية دولة نظامها ديمقراطى اشتراكى، وفى مادته الثالثة على أن السيادة للشعب، وهو يمارسها ويحميها على الوجه المبين فى الدستور، وفى مادته الرابعة على أن الأساس الاقتصادى لجمهورية مصر العربية هو النظام الاشتراكى الديمقراطى
ندفــــع اصليا بـ:
أولاً: عدم دستورية إنشاء محاكم أمن الدولة “طوارئ وفقا للمواد 7، 8، 9، 10، 12، 13 من قانون الطوارئ لتعارضها مع المواد 40، 41، 65، 66، 73، 137، 151، 152، 165، 166، 167، 195 من الدستور
رابعا: عدم دستورية المادة 214 أ.ج لتعارضها مع المواد 70، 41، 195 من الدستور
خامسا: عدم دستورية جمع النيابة العامة بين سلطتى الاتهام والتحقيق لتعارض ذلك مع خضوع الدولة للقانون وفقا للمادة 65 والمادة 70 وقرينة البراءة