مذكرة للدفع بعدم دستورية مواد الاتهام المواد (302 فقرة ب و 303 فقرة ب و 306 و 307 ) من قانون العقوبات المصرى .

محكمة الأزبكية
جنح الازبكية
مذكرة بدفاع
السيد/ شقيق جابر الطاهر                          متهم
ضـد
1.    النيابة العامة                                   مباشرة الاتهام
2.    السيد/ محمود خالد فتحى                 مدعى بالحق المدنىفى القضية رقم 15423 لسنة 2005
والمحدد لنظرها جلسة يوم الأحد الموافق 16/4/2006 

الوقائع

نحيل بشأنها إلى أوراق الدعوى حرصا منا على وقت العدالة،ونخصص تلك المذكرة للدفع بعدم دستورية مواد الاتهام المواد (302 فقرة ب و 303 فقرة ب و 306 و 307 )من قانون العقوبات المصرى

الدفـاع

نصت المادة 29 من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 79 على ما يلى:-
أ- إذا تراءى لأحد المحاكم أو الهيئات ذات الاختصاص القضائى أثناء إحدى الدعاوى عدم دستورية نص قانون أو لائحة لازمة للفصل فى النزاع أو قضت الدعوى وأحالت الأوراق بغير رسوم إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل فى المسألة الدستورية.

ب- إذا دفع أحد الخصوم أثناء نظر دعوى أمام إحدى المحاكم أو الهيئات ذات الاختصاص القضائى بعدم دستورية نص من قانون أو لائحة رأت المحكمة أو الهيئة أن الدفع جدى أجلت نظر الدعوى وحددت لمن أثار الدفع ميعاد لا يتجاوز ثلاثة أشهر لرفع الدعوى بذلك أمام المحكمة الدستورية فإذا لم ترفع الدعوى فى الميعاد أعتبر الدفع كأن لم يمكن.

أولا:- فى الدفع بعدم دستورية الفقرة الثانية من المادة 302 من قانون العقوبات:-

بما أشتملت عليه من شرط ضرورة إثبات القاذف حقيقة كل فعل أسنده والتعديل الذى تم إضافته بالقانون 93 لسنة 95 بإضافة عبارة (ولا يغنى عن ذلك إعتقاده صحة هذا الفعل)
وذلك لمخالفته لمبادئ الشريعة الإسلامية لأصل البراءة والمحاكمة المنصفة وحق الدفاع والحرية الشخصية ومبدأ الفصل بين السلطات مما يعتبر إخلالا بنصوص المواد 2،41،67،69،86،165 من الدستور المصرى.

مخالفته لنص المادة الثانية من الدستور
لما كان تعديل الدستور الذى تم بتاريخ 22 مايو 1980 أصبحت المادة الثانية منه تقضى على أن (الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع) فمعنى ذلك أن القوانين يجب ألا تخالف ما هو ثابت فى الشريعة الإسلامية.

ولما كان مبدأ الاصل فى الإنسان البراءة وهو من المبادئ قطعية الثبوت والدلالة فلا يجب ألا تخل التشريعات بهذا المبدأ وإن خالفته تكون مشوبة بمخالفة الدستور.

ولما كان شرط إثبات حقيقة كل فعل أسنده المتهم تعنى أن الشارع ألقى على القاذف مسئولية إثبات حقيقة كل فعل نسبة إلى الأشخاص الذين حصرتهم تلك الفقرة بالإضافة إلى حسن نيته وذلك حتى ينجو من العقاب.

ويكون بذلك قد أتخذ من عجزه عن إثبات حقيقة كل فعل أسنده إلى المجنى عليه دليلا قاطعا على ثبوت مسئوليته عن جريمة القذف ولو كان حسن النية وهو بذلك يخل بأصل البراءة السالف ذكره وبالتالى يخالف أصل المادة الثانية من الدستور المصرى.

مخالفته لنص المادة 67 من الدستور وقواعد المحاكمة المنصفة
وذلك لأن معنى نقل عبء الإثبات على عاتق المتهم هو إفتراض بإدانته وذلك يعد مخالفة لقرينة البراءة المفترضة فى كل إنسان والمنصوص عليها فى المادة 67 من الدستور المصرى.

ويكون بذلك قد إتخذ الشارع من عجز القاذف عن إثبات حقيقة كل فعل أسنده إلى المجنى عليهم دليلا قاطعا على ثبوت مسئوليته عن جريمة القذف حتى لو كان حسن النية.

وبالتالى يعد ما نصت عليه هذه المادة مخالفا لأصل البراءة وعن ضمانات اصل البراءة يقول الدكتور/ فتحى سرور فى كتابه (الشرعية الدستورية وحقوق الإنسان فى الإجراءات الجنائية ص 203).

(ضمانات حقوق الإنسان لقرينة البراءة تضم نوعين من الضمانات الرئيسية أولاهما:- ضمانات المحاكمة القانونية (أو المنصفة) ويقصد بها مجموعة الإجراءات التى تتم بها الخصومة الجنائية فى إطار من حماية الحرية الشخصية وغيرها من حقوق الإنسان المتعلقة بها والتى تكون فى مجموعها مفترضا أوليا لقيام الدولة القانونية وثانيتهما:- ضمانات  إثبات الإدانة)
وعن هذه الأخيرة يؤكد أنه (لما كان الاصل فى المتهم البراءة فإن إثبات التهمة قبله يقع على عاتق النيابة العامة فعليها وحدها عبء تقديم الدليل وكل ما له هو أن يناقش أدله الإثبات التى تتجمع حوله لكى يفندها أو يضع فيها بذور الشك دون أن يلتزم بتقديم أدلة إيجابية تفيد برأته).

كما أن إضافة عبارة ( ولا يغنى عن ذلك إعتقاده صحة هذا الفعل)
وذلك بعد هذه إضافة هذه العبارة بالقانون 93 لسنة 95 والمسمى بقانون اغتيال الصحافة فإن هذه العبارة تناقض المسلمات فى الفقه والقضاء المصرى والمقارن حيث أن حسن النية مفترض فى الكاتب ولا يكلف بإثباته وعلى من يدعى غير ذلك على هو الإثبات كما أن الإعتقاد بصحة ما نشر يكفى للقضاء بالبراءة فى هذه الجريمة.وقد قضت بذلك محكمة النقض حيث قررت (أن ركن حسن النية فى جريمة القذف هو أن يكون الطعن صادرا عن حسن النية أى الاعتقاد بصحة وقائع القذف ولخدمة المصلحة العامة لا عن قصد التشهير والتجريح.

(نقض 22/12/1959 س 10 مج ص 1055 – نقض 6/1/1992 س 13 ص 47 نقض 8/2/1966 مج س 17 ص 106 – نقض 7/4/1969 س 20 ص 1908 مج).

ومما لا شك فيه أن نقل عبء الاثبات من عاتق النيابة أو المجنى عليه إلى عاتق الناقد فى هذه المادة هو افتراض تشريعى للإدانه ومناقض للصالح العام ومناقض للعقل والمنطق بل مناقض أيضا لموجبات قرينة البراءة وذلك لأن الموظف العام هو دون غيره الذى يملك المستندات التى تدل على صحة عمله أو عدم صحته وبالتالى فإن إثباتها يعتبر من اليسير عليه ومن العسير على الناقد تقديم كل هذه المستندات التى تؤكد صحة ما نشره وذلك لأنها فى الأغلب تكون تحت يد المجنى عليه وبالتالى يسيتطيع إخفاء ما يريده منها وبالتالى يكون هذا الشرط قيدا على الناقد فقط بل أنه يمثل إهدارا لحرية الصحافة وحرية التعبير.

كما أن هذا الشرط فى هذه المادة يخالف الأصل فى تشريعات الإجراءات الجنائية والتى توضع أصلا لحماية الحريات وأنه لا مجال فيها لتطبيق القاعدة المدنية بالزام المدعى عليه باثبات الدفوع التى يتمسك بها وقدأكد الدكتور/ فتحى سرور فى مؤلفه السابق الإشارة إليه إلى ذلك بأن قرر بأن:-

(الادانة مع العقوبة تفترض توافر الركنين المادى والمعنوى بالإضافة إلى عدم وجود سبب من أسباب الإباحة أو موانع المسئولية أو موانع العقاب أو أسباب إنقضاء الدعوى000 وذلك هو واجب المحكمة والنيابة العامة سواء بسواء ولذلك فإنه يكفى من جانب المتهم أن يتمسك بالدفع الذى يواجه به التهمة دون أن يلزم بإثبات صحته وعلى النيابة والمحكمة التحقق من مدى صحة هذا الدفع وهذا هو ما قضت به محكمة النقض من أن (من واجب المحكمة بحث كل دفاع جوهرى يتقدم به المتهم متى كان ظاهر التعلق بموضوع الدعوى بحيث لو صح لرتب عليه القانون أثرا قانونيا لصالح المتهم سواء تعلق هذا الأثر بنفى وقوع الجريمة أو بامتناع المسئولية أو العقاب أو بانقضاء الدعوى الجنائية فإذا تمسك المتهم بهذا الدفع ولم ترد عليه المحكمة كان حكمها مشوبا بالقصور فضلا عن الإخلال بحق الدفاع ووجه القصور هو إخلال المحكمة بأداء واجبها نحو إثبات الإدانة) فيكون النص على نقل هذا الواجب على عاتق المتهم مخالفا دستوريا لضوابط المحاكمة المنصفة بيقين.

(مؤلف الشرعية الدستورية وحقوق الإنسان فى الإجراءات الجنائية ص 185 – 201 – 203 وأحكام النقض المشار إليها فى هامش ص 204)

وقد تعرض أيضا لذلك الدكتور/ محمود مصطفى فى مؤلفه شرح قانون العقوبات القسم الخاص طبعه 1984 ص 378: 381 حيث قال أن :-(الفقه يتحدث عن نظرية الإباحة الظنية أو الغلط فى الوقائع التى يبنى عليها سبب الإباحة وبمقتضى هذه النظرية لا تقوم المسئولية لانتفاء القصد الجنائى إذا كان الفاعل حسن النية وقد أخذت بعض القوانين بهذه النظرية كالقانون الإيطالى (المادة 59) والقانون السويسرى (المادة 19) وهى تقابل نظرية الغلط فى الوقائع المكونة لأركان الجريمة فكما أن الغلط فى هذه الحالة يمنع من قيام القصد الجنائى والجريمة بالتالى فكذلك الغلط فى أسباب الإباحة.

وقد ورد فى القانون المصرى بعض تطبيقات للنظرية بمقتضى المادة 63 من قانون العقوبات ولا يعد جريمة العمل غير المشروع الذي يرتكبه الموظف إذا كان يعتقد بمشروعيته.

وأن الذى يظهر من الحكم الصادر فى 11/11/1946 أن محكمة النقض فى جريمة القذف تتجه إلى التسليم بهذه النظرية بحيث تكون واجبة التطبيق فى الأحوال المماثلة لما نص عليه صراحة فى القانون.

فهى تقول فى حكمها المذكور (أن حسن النية المؤثرة فى المسئولية عن الجريمة رغم توافر أركانها هو من كليات القانون التى تخضع لرقابة محكمة النقض وهو معنى لا تختلف مقوماته باختلاف الجرائم ويكفى أن يكون الشارع قد ضبطه وأرشد إلى عناصره فى نص معين أو مناسبه معينة ليستفيد القاضى من تلك القاعدة الواجبة الإتباع) وبعد أن عرفت المحكمة حسن النية قالت (وليست هذه الإشارة إلا تطبيقا لقاعدة أعتمدها قانون العقوبات فى المادة 63 الواردة فى باب الأحكام العامة).

(مجموعة القواعد القانونية جـ 7 طعن 1510 لسنة 16 ق بند 220 ص 199) وهذا الحكم قاطع فى الدلالة على أن محكمة النقض قد أعتبرت ما جاء فى المادة 63 تطبيقا لقاعدة عامة بمقتضاها أن الأعتقاد بمشروعية الفعل ينفى المسئولية عنه وتطبيق القاعدة فى القذف فى حق ذوى الصفة العمومية يؤدى إلى القول بأن أعتقاد القاذف بصحة الواقعه المسندة بعفيه من المسئولية عن القذف وكذلك يكون عمله مبررا لو ثبتت صحة الواقعة وكان سيئ النية عندما أسندها أى كان معتقدا بعدم صحتها – ذلك أن المصلحة العامة تكتسب من الكشف عن سيئات ذوى الصفة العمومية ولو كان كشفها سيئ النية.

وليس حكم نوفمبر سنة 1946 هو أول حكم نبهت فيه المحكمة العليا إلى نظرية الغلط فى سبب الإباحة بل سبق للمحكمة أن طبقت هذه النظرية فيما يتعلق بإباحة إفشاء السر وفيما يتعلق بحق التبليغ.

ونظرية الغلط فى سبب الإباحة تبنى على مبدأ عام فى القانون مقتضاه أن الإنسان لا يكلف بما ليس فى وسعه فلا يكلف الموظف أو المدافع فى الظروف التى وجد فيها بالإمتناع عن العمل وينتج عن هذا أن الدفع بالغلط لا يكون مقبولا إلا إذا أثبت أن الفاعل لم يرتكب الفعل إلا بعد الثبوت والتحرى وأنه كان يعتقد مشروعيته وأن أعتقاده كان مبنيا على أسباب معقولة والغلط عندئذ يقع فيه الشخص العادى ولا يتداركه إلا من كان يسمو بذكائه ويقظته على المستوى العادى والقانون لا يوضع لهؤلاء.

أما إذا لم يتصرف الفاعل تصرف الشخص العادى فأتى الفعل بغير التثبت والتحرى اللازميين فإن غلطة فى مشروعية الفعل أو فى صحة الواقعة لا يبرر عمله إنما يكون شأنه شأن من يوجه إرادته توجيها خاطئا فتسبب عن هذه نتيجة غير مقصودة فيسأل عن هذه النتيجة إذا كان القانون يحرم التسبب فى إحداثها ولما كان القذف لا يحصل إلا عمدا فإن إسناده إلى ذى الصفة العمومية مع الأعتقاد بصحة الواقعة لا جريمة فيه وغنى عن البيان أن توافر حسن النية كما ضبطه القانون يبرر الفعل فلا تترتب عليه لا مسئولية جنائية ولا مسئولية مدنية.

(الدكتور/ محمود مصطفى – شرح قانون العقوبات الخاص طبعه 1984 ص 378 إلى ص 381)

وقد قضت أيضا محكمة النقض فى حكمها الصادر فى 11/11/1946 أن (حسن النية فى جريمة القذف المشترط فى المادة 302 من قانون العقوبات ليس معنى باطنيا بقدر ما هو موقف أوحاله يوجد فيها الشخص نتيجة ظروف تشوه حكمه على الأمور رغم تقديره لها تقديرا كافيا واعتماده فى تصرفه فيها على أسباب معقولة.

ولقد أشارت إلى هذا المعنى تعليمات وزارة الحقانية على المادة 261 من قانون العقوبات السابق (المادة 302 الحالية) حين قالت ويلزم على الأقل أن يكون موجه القذف يعتقد فى ضميره صحته حتى يمكن أن يعد صادرا عن سلامة نية وأن يكون قدر الأمور التى نسبها إلى الموظف تقديرا كافيا وليست هذه الإشارة إلا تطبيقا لقاعدة إعتمدها قانون العقوبات فى المادة 63 الواردة فى باب الأحكام العامة والتى أوجبت على الموظف لكى يدرأ عن نفسه مسئولية جريمة أرتكبها بحسن نية تنفيذا لما أمرت به القوانين أو ما أعتقد أن إجراءاه من أختصاصه أن يثبت لبيان حسن نيته أنه لم يرتكب الفعل إلا بعد التثبت والتحرى وأنه كان يعتقد مشروعيته وأن أعتقاده كان مبنيا على أسباب معقولة وقد ذكرت تعليقات وزارة الحقانية على هذه المادة أن حكمها مأخوذ من المادتين 77،78 من قانون العقوبات الهندى الذى عرف حسن النية فى المادة 52 صراحة بقوله “لا يقال عن شئ أنه عمل أو صدق بحسن نية إذا كان قد عمل أو صدق بغير التثبت أو الألتقاء الواجب”.

كما تضمن الحكم المذكور أن (حسن النية المؤثر فى المسئولية عن الجريمة رغم توافر أركانها من كليات القانون التى تخضع لرقابة محكمة النقض وهو معنى لا تختلف مقوماته باختلاف الجرائم ويكفى أن يكون الشارع قد ضبطه وأرشد إلى عناصره فى نص معين أو مناسبة معينة ليستفيد القاضى من تلك القاعدة العامة الواجبة الإتباع فى مناسبة أخرى).

(نقض 11/11/1946 مجموعة القواعد القانونية جـ 7 طعن 1510 لسنة 16ق بند 220 ص 199)

وفى هذا المعنى أيضا كتب الدكتور طارق فتحى سرور فى مؤلف (دروس فى جرائم النشر – طبعة 1997 الصفحتين 138،139) بشأن ثبوت حسن نية الطاعن وعجزه عن إثبات الوقائع المسندة فى جرائم القذف ( ومع ذلك فقد يبرأ القاذف على الرغم من عدم توافر الشرط الثانى والخاص بإثبات حقيقة الوقائع المسندة إذا كان الطاعن يعتقد صحة الوقائع التى أسندها إلى المجنى عليه وهنا تنتفى مسئولية القاذف ليس على أساس توافر سبب الإباحة وإنما على توافر الغلط فى الإباحة الذى ينفى القصد الجنائى وتفسير ذلك أن القصد الجنائى الذى يعد صورة الركن المعنوى فى جريمة القذف يتطلب توافر عنصر العلم وأن هذا العنصر يجب أن ينصب على العناصر اللازمة لتكوين الجريمة سواء كانت عناصر أيجابية (أركان الجريمة) أم عناصر سلبية (عدم توافر سبب إباحة) فإذا إنصب على وقائع تخالف الحقيقة فإن تصور المتهم للوقائع التى نسبتها إلى المجنى عليه يؤدى إلي إنتفاء العلم فيؤثر فى القصد الجنائى.

وترتيبا على ذلك فإن الغلط فى الإباحة فى جريمة القذف إعمالا للقواعد العامة فى القانون الجنائى التى تستلزم توافر ركن العلم بأن يعلم بأن الوقائع المسندة إلى الموظف العام هى وقائع كاذبة وغير صحيحة دون ما حاجة إلي الإستناد إلى أسباب الإباحة وتوافر شروطها طالما توافر من جانبه حسن النية.

يعنى أعتقاد الشخص فى ضميره بصحة الوقائع وأن أعتقاده كان مبنيا على أسباب معقولة وأنه قدر الأمور تقديرا كافيا ولم يرتكب الفعل إلا بعد الثبوت والتحرى فى ظروف تشوه حكمه على الأمور وهذا المعنى هو تطبيق للقاعدة التى أوردتها المادة 63 من قانون العقوبات).

مخالفتها لحق الدفاع
حيث أن هذا الحق مكفول للمتهم فى أى قضية يتم إتهامه فيها بموجب نص المادة 69 من الدستور المصرى التى نصت على (حق الدفاع أصال أو بالوكالة مكفول).

وهذا الحق الدستورى للمتهم قد نصت عليه كثير من المواثيق الدولية فى عديد من موادها مثال المادتين 11/1 من الإعلان العالمى لحقوق الإنسان، 14/3 من العهد الدولى الخاص للحقوق المدنية والسياسية.

كما أن المحكمة الدستورية العليا قد نصت على (أن الحقوق التى كفلها الدستور – ويندرج تحتها حق الدفاع – لا يجوز إسقاطها أو تنحيتها عن تطبيقها سواء بعمل تشريعى أو من خلال مقابل مادى أيا كان مقداره بل يتعين إقتضاؤها عينا كلما كان ذلك ممكنا).

(طعن رقم 15 لسنة 17 ق د- ج ر – العدد 51 فى 21/12/1995)

وبإنزال ذلك على النص الطعين نجد أن ما تضمنه من شرط إثبات صحة كل فعل وعبارة ولا يغنى عن ذلك اعتقاده صحة هذا الفعل يمثلان انتهاكا صارخا لهذا الحق حيث أنهما يعتبرا تدخلا من السلطة التشريعية لغل يد المحكمة عن تحقيق دفاع المتهم ذلك لأنه بموجب هذا النص أنه لا يجوز للمتهم فى جريمة قذف فى حق موظف عمومى أو ذا صفة نيابة إلا أن يقدم دليل على صحة كل ما قام بنشره وذلك بحجب عن المتهم أن يحتج بحسن نية والاحتجاج بحسن النية يمثل دفاع جوهرى فى الجرائم العمدية ومنها جريمة القذف وذلك لأن حسن النية فى الجرائم العمدية ينفى القصد الجنائى للجريمة كما أنه يمنعه أيضا من دفع الجريمة عنه باعتقاده بصحة ما قذف به حيث أنه يجوز أن يحتج هنا بنظرية الإباحة الظنية أو الغلط فى الإباحة (كما وضحنا سابقا) إلا أن هذه العبارة المضافة بالقانون رقم 93 لسنة 95 تحجب عنه الاحتجاج بهذا الدفع أيضا مما يشوب هذه الفقرة بعيب مخالفة هذا الحق الدستورى ويعتبر تدخلا من السلطة التشريعية لحجب هذا الحق عن المتهمين مما يوجب الحكم بعدم دستوريتها
النصوص الطعنية تنتهك الحرية الشخصية
من الأمور المسلم بها دستوريا أن كل نص يخالف أصل البراءة وقواعد المحاكمة المنصفة بما أشتملت عليه من حق الدفاع هو يعتبر بالضرورة منطوى على مساس بالحرية الحرية الشخصية واعتداء عليها وبالتالى مخالف لنص المادة 41 من الدستور المصرى.وقد ثبت مخالفة المادة الطعنية لهذا الحق وبالتالى فهى مشوبة بعيب مخالفة الدستور.

مخالفة المادتين 86،165 من الدستور
لما كان القانون قد خول للقاضى الحرية التامة فى بحث أى قضية تطرح أمامه وفى تقدير جميع الأدلة الموجودة بها وتقدير الدفاع الذى يبديه الخصوم فيها وله فى ذلك الحرية المطلقة فى الأقتناع أو عدم الأقتناع بما يطرح أمامه من أدلة ومن دفاع فى القضية وذلك دون تدخل فى عمله من أى سلطة أخرى عملا بمبدأ الفصل بين السلطات وقد أكدت على ذلك المادة 165 من الدستور المصرى حيث نصت على أن (السلطة القضائية مستقله وتتولاها المحاكم على أختلاف أنواعها ودرجاتها وتصدر أحكامها وفق القانون)
لذلك لا يجوز لأى سلطة أخرى التدخل فى أعمال السلطة القضائية ومن هذه السلطات السلطة التشريعية وقد حدد الدستور فى المادة 86 منه وظيفة السلطة التشرعية بأنها سلطة تشريع فقط وبالتالى لا يجوز لها التدخل فى أعمال أى سلطة أخرى ومنها السلطة القضائية.
وبانزال ذلك على المادة الطعينة فنجد أن هناك تدخلا من السلطة التشرعية لغل يد السلطة القضائية عن ممارسة دورها فى القضية حيث أنه حدد ضرورة أن يثبت المتهم صحة كل فعل وأيضا عدم الاعتداد باعتقاده بصحة ما قذف به وبذلك يكون هذا النص قد غل يد المحكمة التى تنظر القضية عن القيام بمهمتها الأصلية فى مجال التحقق عن قيام أركان الجريمة وخاصة القصد الجنائى من عدمه كما أنه غل يدها عن تقدير دفاع المتهم أو الأخذ به كما أنه تدخل أيضا لمنع المحكمة من الأخذ بحسن نية المتهم كسبب لانتفاء القصد الجنائى لديه أو بحث المحكمة الظروف المحيطة بالمتهم التى قد توحى له بصحة الوقائع التى قام بنشرها وكل ذلك يعتبر تدخلا من السلطة التشريعية عن طريق هذا النص فى أعمال السلطة القضائية وهذا ما يمتنع عليها أن تقوم به كما أنه مخالف للدستور المصرى ناهيك عن إخلاله بمبدأ الفصل بين السلطات مما يشوبه بعدم الدستورية.
ثانيا:- فى الدفع بعدم دستورية المواد 303/2، 306،307 من قانون العقوبات
وذلك نظرا للغلو من المشرع فى العقوبات المفروضة فى هذه المواد وعدم تناسبها مع الفعل المجرم فى هذه المواد مما يمثل انتهاكا للحق فى المساهمة فى الحياة العامة وبمبدأ خضوع الدولة للقانون وسلطة الصحافة المنصوص عليها فى الدستور ومبدأ التناسب بين الفعل والعقاب الذى نصت عليه المحكمة الدستورية العليا وهو ما يخالف نصوص المواد 48،62،64،206،207،208 عن الدستور المصرى.
م.303 – فقرة ب
كان نصها فى قانون العقوبات (فاذا وقع القذف فى حق موظف عام أو شخص ذى صفة نيابة عامة أو مكلف بخدمة عامة وكان ذلك بسبب أداء الوظيفة أو النيابة أو الخدمة العامة كانت العقوبة الحبس وغرامة لا تقل عن خمسين جنيها ولا تزيد على خمسمائة جنيه أو إحدى هاتين العقوبتين فقط).
وبعد تعديلها بالقانون رقم 93 لسنة 95 أصبحت:-
(فإذا وقع القذف فى حق موظف عام أو شخص ذى صفة نيابية عامة أو مكلف بخدمة عامة وكان ذلك بسبب أداء الوظيفة أو النيابة أو الخدمة العامة كانت العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تجاوز خمس سنوات وغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تزيد على عشرين ألف جنيه أو بإحدى العقوبتين).
وبعد ذلك جاء القانون رقم 95 لسنة 96 وعدل العقوبة فى هذه المادة إلى الحبس مده لا تجاوز سنتين وغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تزيد على عشرة آلاف جنيه أو إحدى هاتين العقوبتين).
ويلاحظ هنا أنه بعد هذه التعديلات رفعت عقوبة الحبس إلى الضعف ورفع الحد الأدنى لعقوبة الغرامة إلى مائة مثل والحد الأقصى إلى عشرين مثلا.
306- ع
كان نصها فى قانون العقوبات (كل سب لا يشتمل على اسناد واقعة معينة بل يتضمن بأى وجه من الوجوه خدشا للشرف أو الإعتبار يعاقب عليه فى الأحوال المبينة بالمادة 171 بالحبس مدة لا تتجاوز سنة وبغرامة لا تزيد على مائتى جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين)
وقد جاء القانون 95 لسنة 96 وعدلها فأصبحت العقوبة (الحبس مدة لا تجاوز سنة وغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تزيد على خمسة آلاف جنيه أو إحدى هاتين العقوبتين)
ونجد بذلك أن المشرع وضع حد أدنى للغرامة مغالى فيه ورفع الحد الأقصى إلى 25 ضعف.
م.307 – ع
كان نصها فى قانون العقوبات (إذا أرتكبت جريمة من الجرائم المنصوص عليها فى المواد من 181 إلى 185،303،306 بطريق النشر فى إحدى الجرائد أو المطبوعات رفعت الحدود الدنيا والقصوى لعقوبة الغرامة المبينة فى المواد المذكورة إلى ضعفيها ولم يجز أن تقل عقوبة الغرامة المنصوص عليها فى المادة 306 عن عشرين جنيها).
وبعد تعديلها بالقانون رقم 93 لسنة 95 أصبحت:-
(إذا أرتكبت جريمة من الجرائم المنصوص عليها فى المواد من 182 إلى 185،303،306 بطريق النشر فى إحدى الجرائد أو المطبوعات رفعت الحدود الدنيا والقصوى لعقوبة الغرامة المبينة فى المواد المذكورة إلى ضعفيها).
ومن ذلك يتضح أن هذا التعديل قد رفع الحدود الدنيا والقصوى لعقوبة الغرامة بنفس النسب التى تم رفعها بها فى المادة 303 فقرة 2.
من كل ذلك يتضح مدى إتجاه المشرع إلى مضاعفة العقوبة فى جرائم النشر وذلك بالمخالفة إلى الإتجاه السائد عالميا والداعى إلى تخفيف العقوبات على جرائم النشر كما أنه مخالف لمبدأ التناسب بين الجرم والعقاب الذى نصت عليه المحكمة الدستورية العليا حيث أنها ذكرت (ولئن جاز القول بأن تقدير العقوبة وتقرير أحوال فرضها مما يدخل فى إطار تنظيم الحقوق ويندرج تحت السلطة التقديرية للمشرع إلا أن هذه السلطة حدها قواعد الدستور ولازمها ألا تكون النصوص العقابية (شباكا أو شراكا يلقيها المشرع متصيدا باتساعها أو بخفائها من يضعون تحتها أو يخطئون مواقعها).

(طعن رقم 28 لسنة 17 ق د – ج ر – العدد 51 فى 21/12/1995)

كما قضت أيضا بأنه (وحيث أن الجزاء الجنائى كان عبر أطوار قاتمة فى التاريخ أداه طيعه للقهر والطغيان محققا للسلطة المستبدة أطماعها ومبتعدا بالعقوبة عن أغراضها الإجتماعية وكان منطقيا وضروريا أن تعمل الدول المتمدينة على أن تقيم تشريعاتها الجزائية وفق أسس ثابتة تكفل بذاتها أنتهاج الوسائل القانونية السليمة – فى جوانبها الموضوعية والإجرائية – لضمان ألا تكون العقوبة أداه قامعه للحرية وعاصفة بالمخالفة للقيم التى تؤمن بها الجماعة فى تفاعلها مع الأمم المتحضرة وإتصالها بها وكان لازما – فى مجال تثبيت هذا الاتجاه – أن تفرض الدساتير المعاصرة القيود التى أرتأتها على سلطات المشرع فى مجال التجريم تعبيرا عن إيمانها بأن حقوق الإنسان وحرياته لا يجوز التضحية بها فى غير ضرورة تمليها مصلحة إجتماعية لها إعتبارها وأعترافا منها بأن الحرية فى كامل أبعادها لا تنفصل عن حرمة الحياة وأن الحقائق المريرة التى عايشتها البشرية على إمتداد مراحل تطورها تتطلب نظاما متكاملا يكفل للجماعة مصالحها الحيوية ويصون – فى إطار أهدافه – حقوق الفرد وحرياته الأساسية بما يحول دون إساءة استخدام العقوبة تشويها لأغراضها.
(ق رقم 3 لسنة 10 ق د حكمها فى 2 يناير 1993 ح 5 المجلد 2 ص 103 وما بعدها)
كما أن الفقه أيضا قد أخذ نفس إتجاه المحكمة الدستورية وظهر ذلك بوضوح فى تناول أهداف السياسة الجنائية انتقالا من المدرسة التقليدية إلى المدرسة الحديثة التى لا تضحى بحقوق الفرد وضماناته بل أنها أولت أهتماما خاصا حين أخذت بنوع من الواقعية فى تحديد العقوبات.
(د أحمد فتحى سرور فى الوسيط فى قانون العقوبات ج 1 القسم العام ص 32)
كما أن الأستاذ الدكتور محمد ذكى أبو عامر أكد على أن :-
(يجب ألا يعلو المشرع فى العقاب ولا يركب متن الشطط فى تقديره وإنما عليه أن يتخير من العقوبات ما يكون على وجه اللزوم ضروريا لمواجهة الجريمة وما يترتب على أقترافها من أثار وما فيه من الضرر والألم الذى يكفى لردع الجانى وزجر غيره من أعضاء المجتمع ممن تسوله نفسه أن يقوم بذات فعله أو يأتى نفى صنيعه ومن هنا تكون ضوابط العقاب مادية وموضوعية ويعتبر بالتالى كل تجاوز لهذه الضوابط تزايدا وإستبدادا ينبغى رفعه).
(قانون العقوبات القسم العام – منشأة المعارف 1993 ص 454)
من جماع كل ذلك نجد أن هذه المواد تخالف المواد 48،206،207،208 من الدستور المصرى والتى أكدت على عدم جواز فرض أى نوع من الرقابة أو الوصاية على الصحافة حتى تستطيع ممارسة عمله وأداء رسالتها بحرية وإقتدار وتوفير حق المعرفة للشعب دون الخوف من السجون أو من العقوبات المالية الباهظة التى قد تعوق أداء هذه الرسالة.
كما أن هذه المواد أيضا تخالف نص المادة 62 من الدستور المصرى بما قررته بأن لكل مواطن الحق فى المساهمة فى الحياة العامة حيث أنها بهذه القيود ستحجب أى مواطن من حق إبداء رايه فى أى مسألة أو أى موضوع يخص صالح البلاد وذلك خشية هذه العقوبات المغالى فيها عليه.
كما أنها أيضا تخل بنص المادة 65 من  الدستور بما نصت عليه من خضوع الدولة للقانون ومبدأ خضوع الدولة للقانون والحقوق المسلم بها ديمقراطيا من المبادئ التى قررتها المحكمة الدستورية العليا كمبدأ أساسى لبناء الدولة القانونية وهذا ما قضت به المحكمة الدستورية العليا بأن قررت (حيث أن المقرر أن مبدأ خضوع الدولة للقانون  – محدد على ضوء مفهوم ديمقراطى – مؤداه ألا تخل تشريعاتها بالحقوق التى يعتبر التسليم بها فى الدول الديمقراطية مفترضا أوليا لقيام الدولة القانونية وضمانة أساسية لصون حقوق الإنسان وكرامته وشخصيته المتكاملة).
(قضية رقم 49 لسنة 17 ق د – ج ر – العدد 25 فى 27/6/1996)
ومن جماع ذلك يتضح لنا مدى عدم دستورية هذه المواد الطعنية).

بناء عليه

يلتمس دفاع المتهم من عدالة المحكمة:-
وقف الدعوى وإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل فى مدى دستورية المادة 302 فقرة ب و303 فقرة ب و306 و307 من قانون العقوبات أو تحديد أجلا مع التصريح برفع دعوى بذلك أمام المحكمة الدستورية العليا.

وكيل المتهم
أحمد سيف الاسلام حمد المحامى

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *