ليسوا جميعًا رؤوف علوان فبعضهم سعيد مهران

 بقلم: جمال عيد

ليسوا جميعًا سجناء رأي سابقين، ولا هم جميعًا مرهَقين عائدين من تغريبة امتدت لسنوات، بل إن بعضهم وجوه سياسية معروفة لمن يتعاطى السياسة، وكذلك صحفيين لا يخلون من الموهبة، لكن لديهم تطلعات ورغبة في الصعود لسلم السلطة بدلًا من سلم الصحافة.

وهؤلاء بالطبع يشرف عليهم ويعمل بجانبهم ضباط من جهات مختلفة، للتواصل معهم وتنسيق جهودهم في الاستغلال الأمثل لحاجات وظروف السجناء السابقين أو العائدين من الاغتراب، سواء بسبب الظروف المادية والاقتصادية الصعبة، أو بسبب الخوف من العودة للسجون.

ولا يخلو الأمر بالطبع من مغازلة طموحات وتطلعات البعض لفرص تُشبع رغباتهم وحاجاتهم للشهرة والراحة والنجومية.

فليس أنسب من تجنيد سجين رأي سابق، أو تحييده وإسكاته، من سجين رأي مثله. وليس أنسب لدمج عائد مرهق مرتبك في صفوف التهليل من عائد سابق بتاريخ يمكن استثماره. وليس أنسب لتدجين مثقف متطلع غاضب من ثوبه الضيق، من صحفي صعد سلم السلطة ونجح في توسيع الثوب.

مصر بتسلم عليك

إنت عارف الظروف الصعبة اللي بتعيشها مصر، عندنا أخطاء ومشاكل طبعًا، لكن فعلًا بنحاول نحلها، وعارفين أنك اتظلمت، عشان كدة مش إحنا اللي بنحاول نعوضك ونساعدك، دي مصر اللي بتحاول تعوضك!

مش مطلوب منك حاجة، دي مجرد وظيفة عشان تقدر تعدّي الوقت الصعب اللي مريت بيه.

ده مبلغ بسيط، تسدد ديونك وتعدّي الأزمة اللي عندك، وده مش من جيبي، ده من مصر.

اكتبي اللي إنتي شايفاه ويرضي ضميرك، الصحافة مجالها واسع ويحتمل، ومحدّش هيملي عليكي حاجة معينة تكتبيها.

عايزينك تشارك في مبادرة جادة وحقيقية، مبادرة تنفع أهلنا وناسنا بعيد عن بتوع حقوق الإنسان والتمويل وتشويه صورة مصر.

كمل شغلك ومحدش هيقربلك. بالعكس، لو احتجت حاجة بلّغنا، بس لو عندك وقت يا ريت تساعدنا في مبادرة إدماج السجناء اللي خرجوا من السجن وتظبيط ظروفهم.

طبعا أنت شخص طيب ومش ناكر للجميل، هتفكّر كتير قبل ما تنقد أو تهاجم أو تسخر.. الناس كانوا كويسين معاك، رغم أنك عارف ممكن لو غضبوا عليك يحصل لك ايه؟! بلاش أحسن.

بعضهم رؤوف علوان

كان ثائرًا وغاضبًا ومتمردًا، وطموحًا ومتطلعًا في الوقت نفسه.

كان لديه الوعي ليكوّن موقفًا معارضًا، ويعبر عن رفضه، ويكشف أخطاء وخطايا المجتمع. كان يعي أيضًا بحقه في ظروف أفضل، وأنهم، الآخرين، ليسوا أفضل منه. بل أنه يفوقهم وعيًا وذكاءً، ويستحق مكانة تليق به.

وحين جاءته الفرصة، تنصل من هذه المواقف، وتنصل من سعيد مهران، بل حاول أن يُسديه النصح بأن يسير في ركاب المجتمع. ذلك المجتمع الذي لم تتغير به سوى ظروف رؤوف علوان فقط، من الأسوأ للأفضل. وكان نصيب سعيد مهران حين اعترض، أن أصبح مطاردًا وهاربًا من البوليس، بجهود رؤوف علوان.

رؤوف علوان ليس شخصية خيالية في رواية اللص والكلاب لنجيب محفوظ، بل هي شخصية من لحم ودم وسجائر مارلبورو وميريت، وقاعات مكيفة واجتماعات شيك وسامسونج في اليد وسامسونج على الأذن؛ هي شخصية مستنسخة تنتشر وتتوغل هذه الأيام.

كيف يعمل الرؤوف علوانات

لا يطلب رؤوف علوان ورؤوفة علوانة من ضحاياهم التواطوء أو التهليل، بل التحلّي بالعقل والنضج والحكم المنصف من وجهة نظرهم. يقولون:

تقدر تنكر حجم الانجازات والطرق والكباري اللي ماليين البلد دلوقت وسهلّت الحركة؟ دي كلها فلوس وجهد، أيوه لسة فيه أخطاء، بس دورنا نكون حكّام عدل ونساعد اللي بيبذل جهد، ونقولّه أحسنت عشان يتحمس و يقدر يكمل.

كل وقت وله أدان، أنت جيت معانا العلمين والعاصمة الجديدة ومشاريع كتير وشفت بنفسك، لو تركنا الساحة لبتوع الحنجوري اللي بيهاجموا كل حاجة، هننشر الإحباط، واللي بيشتغل مش هيكمل.

ولكن سيناريو تقدير الانجازات لا يصيب الهدف بسهولة نتيجة لكثرة المظالم من جهة، وغزارة إنتاج الانجازات مع سوء توزيعها من جهة أخرى، فأغلبها يخدم طبقة معينة. وفي تلك الحالة يلجأ الرؤوف علوانات لسيناريو النوايا الحسنة واليد القصيرة، فيقولون:

صحيح فيه أبرياء في السجون، لكن صعب نفرج عن الجميع عاطل مع باطل.

دورنا حتى لو هاجمونا، نطول بالنا ونحاول مع الداخلية، ونقنع أصحاب القرار أن الأفضل نخرّج الأبرياء، نعمل اللي ربنا يقدّرنا عليه. وصدقني الداخلية فيها ناس متحمسة وعايزة تفرج عنهم، بس الخوف أنهم يخرجوا يهاجموا ويشتموا الداخلية لما يخرجوا، أو يخرجوا برّه مصر ويشوهوا صورتها ويفتروا عليها.

لازم نحترم المخاوف دي.

متنساش، القرار مش كلّه عند الداخلية، لسة فيه النائب العام، وفيه لجنة عفو رئاسي بتوصّل المعلومات للريس، دي حاجات بتاخد وقت. لكن في الآخر أحسن من الهجوم طول الوقت، حتى لو خرّجنا مظلوم واحد! وآديك شايف برضه، تم الإفراج عن ناس كتير، وشوية شوية كله هيخرج إن شاء الله، المهم أنت تساعد ومتشغلش بالك ببتوع الحنجوري اللي مش عاجبهم أي حاجة وفاكرين الدنيا تخلص بجرّة قلم أو بتليفون.

الطيب والشرير

يتواجد رؤوف علوان الطيب على السوشيال ميديا بكثافة، يوزع التهاني بأعياد الميلاد، والعزاء في الوفيات، يضحك على نكات سمجة، ويعلق على بوستات تافهة. يدعو الله لفك كرب الأبرياء، و”ربنا يحميهم من الحر الشديد في السجون”.

ولا يخلو تايملاينه من بوست انبهار بطريق جديد، أو روعة الساحل الشمالي، والتطوير. وميمنعش من شكر سريع للجنة العفو والحوار والجنود المجهولة وحسنين ومحمدين زينة الشباب الاتنين.

خناقات الكرة كذلك لها أهمية شديدة، يشارك فيها بتعليقات تُرضي الأهلاوية والزمالكاوية والإسمعلاوية، وشوية بوستات حماسية وتعليقات على بعض المعارك الآمنة.

ومن آن لآخر ينشر صورًا مع شخصيات معروفة، وصاحبي وحبيبي فلان الفلاني. المهم تكون موجود ومُجامل، وابتسامتك مالية وشّك.

أما رؤوف علوان الشرير، فيتخذ خط الهجوم والمزايدة على “الناس اللي اتخدعنا فيهم، كنا فاكرينهم مناضلين وهما تجار”. يصفهم بأنهم “فاكرين نفسهم أبطال وهم متربحين وممولين”. يظهر من حين لآخر غضب وحزن من الأصدقاء الذين انكشفوا، والواحد بعد كدة مش هيعمل خير في حد، لأن مفيش صاحب يتصاحب.

يشكك فيمن يتخذون المواقف ويملأ الجو ريبة وحذر وتساؤل. يعني لازم يخلّي الناس توصل لنتيجة، اللي تفتكره موسى طلع فرعون.

هنا وهناك

هنا.. تقريبًا لا يخلو بيت في مصر من المظلومية؛ مسجون بريء، مُعارض مغضوب عليه، سجين سابق يَخشى عودته للسجن، مهني محروم من العمل، قريب لمختفي قسريًا، جوع وبطالة، صديق لمغترب محروم من العودة لمصر، وإن عاد فالسجن في انتظاره.

هناك آلاف مؤلفة من المغتربين، المهاجرين، الهاربين، الباحثين عن الأمن أو الحلم أو لقمة العيش. كثير من هؤلاء ضحايا محتملين لرؤوف علوان الطيب، إذا امتثل بهدوء فمرحبًا به، وإذا حَرَن ورفض، فرؤوف علوان الشرير جاهز للتشكيك به والتشهير غير المباشر.

وفي كل الأحوال، يكون تشهير رؤوف علوان غير المباشر أفضل من تشهير وشتائم سامسونج أبو ضوء أخضر. لأنه في النهاية، هناك مخبرون مستعدون لتحويلك إلى رقم في مركز الإصلاح والتأهيل، وتغيير اسمك من مواطن إلى نزيل.

أنت خسران، سواء كنت سعيد مهران أو كنت البريء

سعيد مهران الذي كانت طموحاته بسيطة وأحلامه مشروعة، تحول على يد رؤوف علوان إلى قاتل هارب ومُطارد من البوليس!

أما البريء، الذي مات صديقه بين يديه في السجن بعد زيارة بتوع حقوق الإنسان، وبعدما كشف له صديقه الكذبة والخدعة، وطبقًا للنهاية التي سمحت بها الرقابة، عاد كترس في ماكينة القمع والكذب، أكثر ما يستطيعه هو العزف على الناي الذي وقع منه في بداية الفيلم.

لكننا رغم ذلك، نحب سعيد مهران والبريء، حتى بالخسارة، ولا نحب رؤوف علوان، سواء الطيب أو الشرير.