المجد لعاصري الليمون
نعم، المجد لهم، فلولاهم لما اكتسبت حركة المعارضة القوية ضد استبداد محمد مرسي وجماعته مشروعيتها، ولأصبحت مجرد تجمع للراغبين في إزاحة رئيس منتخب عن الحكم للإتيان بفاسد هارب إلى مكانه. المجد لهم لأنهم يجسدون معنى الشرف الثوري الحقيقي الذي اختار إبقاء جذوة الثورة مستمرة من خلال رئيس تعهد بأنه سيكون مخلصا لأهداف الثورة معلنين أنهم سيحاسبونه على تعهده منذ أول يوم له في الحكم، بدلا من مشاركتهم ولو بالمقاطعة السلبية في إعلان وفاة الثورة رسميا باختيار رئيس يمثل كل ما عادته الثورة وسقط من أجله الشهداء. بالطبع هذا منطق لن يفهمه أبدا الذين مشوا على حل شعرهم سياسيا فتقلبوا من نفاق جنرال إلى الحلم بآخر إلى الولاء لثالث، ظنا منهم أن العيش في أحضان لابسي البيادات سيجعل مصر تفلت إلى الأبد من مواجهة الاختبار الحتمي لوصول تيارات الشعارات الإسلامية إلى الحكم إذا انتخبنا من يعيد أنصارها إلى السجون ويستخدم معهم لغة الكرباج ومنطق المنفاخ والحوار بسلك الكهرباء ويشعل حربا أهلية حقيقية في كل شوارع مصر يستخدم فيها السلاح الذي ملأها عقب الثورة. منطق عصر الليمون لن يفهمه أبدا كل من يظن أن الإخوان يشكلون خطرا على مصر ولو تأمل لأدرك أن مصر هي التي تشكل خطورة ليس فقط على الإخوان، بل على كل صاحب فكر متعصب منغلق فاشي يرى أن طريق سعادته يكمن فقط في إقصاء المختلفين معه عن الوجود، حتى لو كان ذلك الفكر الذي يعلنه متمسحا بشعارات الدين أو القومية العربية أو الليبرالية أو العدالة الاجتماعية.
نعم، عاصر ليمون وأفتخر، ولو وضعني الزمن الوغد مائة مرة في نفس الإختيار لانحزت لمحمد مرسي ضد أحمد شفيق، لأنني لست منجما يضرب الودع أو عرافا يرجم بالغيب، بل أنا كاتب مهمته الوحيدة أن يكتب الحقيقة كما يراها، ومواقفي من الساسة لا يحددها كرهي أو حبي لهم، بل تحددها أفعالهم التي أحاسبهم بناءً عليها، لذلك لست أفهم منطق من يطلبون الاعتذار من الذين انحازوا لنار مرسي ضد عار شفيق على حد تعبير د.عبدالحليم قنديل، فأنا أؤمن أن الذي ينبغي أن يعتذر الآن وفورا هو الدكتور محمد مرسي لأنه كذب على من صدقوه وأخلف في وعوده واختار أن يكون رئيسا لجماعته وحلفائها بدلا من أن يكون رئيسا لكل الحالمين باستكمال مسيرة الثورة حتى تحقق كل أهدافها، وإذا لم يفعل فأنا أؤمن أن الليمون الذي كان سببا في حمله إلى كرسي الرئاسة هو ذاته سيكون سببا في إغراقه إذا واصل التصرف كمندوب توصيل طلبات من مكتب الإرشاد إلى القصر الجمهورى.
نعم، عاصر ليمون وأفتخر، لأن عصر الليمون ليس منهجا عشوائيا «عياليا» كما زعم البعض، بل هو قدر يواجهه الجميع في كل الديمقراطيات عندما تجبرهم تعقيدات الواقع الوغد على الذهاب إلى صناديق الانتخابات ليختاروا بين سيئ وأسوأ، فيفعلون ذلك دون أن يروا فيه عشوائية أو مخاصمة للتفكير العلمي أو خيانة للإنحياز الثوري المبدئي، خذ عندك على سبيل المثال لا الحصر رجلا مثل المفكر الأمريكي ناعوم تشومسكي وهو واحد من أعظم أصحاب العقول النقدية في العالم، يمكن أن تبحث عنه في (جوجل) لتتعرف على مواقفه النقدية المعارضة لكل ساسة أمريكا وآخرهم الرئيس الأمريكي باراك أوباما، لكنه قال في حوار مع المذيع المتميز يسري فودة ستجده على اليوتيوب أنه برغم معارضته لأوباما سينتخبه لأن انتخاب منافسه ميت رومني سيكون قرارا خاطئا ربما يؤدي إلى تدمير أمريكا بل وربما العالم. خذ عندك أيضا مفكرا لا يقل ثورية ولا جذرية عن تشومسكي مثل المؤرخ الأمريكي اليساري الشهير هوارد زن وراجع مقالاته الرائعة المنشورة في كتاب (قصص لا ترويها هوليوود مطلقا) والذي ترجمه المترجم القدير حمد العيسى (وسنعود لهذا الكتاب ولهوارد زن كثيرا في هذا العمود بإذن الله) وانظر كيف يقول قبل الانتخابات الأولى التي فاز فيها أوباما «أعتقد أن الناس مبهورون بخطابية أوباما، ولكن يجب عليهم أن يبدأوا في فهم أن أوباما سيكون رئيسا مديوكرا (رديئا) وهو ما يعني في وقتنا الحاضر أنه سيكون رئيسا خطرا، إلا إذا كان هناك تحرك وطني يدفعه في اتجاه أفضل»، ومع ذلك فهو لا يجد مانعا من الانحياز لأوباما ضد منافسه الجمهوري، حريصا على أن يذكر قرائه بأن يتمسكوا بكل ما قاله أوباما من وعود لأنها أصبحت حقوقا مكتسبة لهم يجب أن يبنوا عليها فيما بعد لمحاسبة رئيسهم، يقول زن «أثناء حملته الانتخابية قال أوباما شيئا أدهشني جدا لأنه بدا لي قولا حكيما، وعندما يقول مثل هؤلاء الناس شيئا حكيما جدا، يجب أن تتذكره دائما، لأنهم قد لا يتمسكون به لاحقا، وربما نجد من الحكمة تذكيرهم بذلك الأمر الحكيم الذي قالوه سابقا»، وبالفعل فقد بنى عاصرو الليمون من ناخبي أوباما معارضته لهم على تذكيره بالأمور الحكيمة التي قالها ولم يتمسك بها، ومع أننا لم نر من مرسي أشياء حكيمة تقال، لكننا سنظل نتمسك بتذكيره بكل الوعود التي تخلى عنها وسنظل نفعل ذلك معه ومع غيره إلى أن يحكم مصر يوما ما رئيس يشعر بالعار عندما يكذب.
نعم، عاصر ليمون وأفتخر، فليس عيبا أن تعصر الليمون مضطرا ذات مرة، العيب بل والعار كل العار أن يواصل من يطرحون أنفسهم كبدائل ثورية أفعالهم الخاطئة التي تدفعك كمواطن إلى عصر الليمون كل مرة.
(ألقاكم غدا بإذن الله بصحبة عمرو سليم في (المعصرة) حيث لا مزيد من عصر الليمون، لأن المؤمن لا يعصر ليمونة واحدة مرتين).
المصدر:
http://www.shorouknews.com/columns/view.aspx?id=1acc6f23-101e-4dd1-a801-c58e5542ed5f